للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فُلُوسٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً مِنْ الْفِضَّةِ فَيَكُونُ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ وَنِصْفَ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ بِمُقَابَلَةِ الْفُلُوسِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً بَطَلَ فِي الْكُلِّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِضَّةَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُمَا عِنْدَ التَّفْصِيلِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَنَحْوُهُ، ثُمَّ إنْ افْتَرَقَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْفُلُوسَ وَالنِّصْفَ إلَّا حَبَّةً بَطَلَ فِي النِّصْفِ إلَّا حَبَّةً؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَرْفٌ وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ.

وَلَا يَبْطُلُ فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهَا بَيْعٌ فَيَكْفِي قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِ الدِّرْهَمَ وَلَمْ يَأْخُذْ هُوَ الْفُلُوسَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَثَبَتَ بِمَجْمُوعِ مَا مَضَى أَنَّ الْأَمْوَالَ أَنْوَاعٌ نَوْعٌ ثَمَنٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالنَّقْدَيْنِ صَحِبَهُ الْبَاءُ أَوْ لَا، قُوبِلَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَنَوْعٌ مَبِيعٌ بِكُلِّ حَالٍ كَالثِّيَابِ، وَالدَّوَابِّ، وَالْعَبِيدِ وَنَوْعٌ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فِي الْعَقْدِ كَانَ مَبِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا وَصَحِبَهُ الْبَاءُ وَقُوبِلَ بِالْمَبِيعِ فَهُوَ ثَمَنٌ. وَنَوْعٌ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَهُوَ سِلْعَةٌ فِي الْأَصْلِ كَالْفُلُوسِ، فَإِنْ كَانَ رَائِجًا كَانَ ثَمَنًا، وَإِنْ كَانَ كَاسِدًا، فَهُوَ سِلْعَةٌ مُثَمَّنٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ.

كَذَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ، وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَتْ ثَمَنًا بِكُلِّ حَالٍ، وَالْعُرُوضُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا عَيْنًا فَكَانَتْ مَبِيعَةً، وَالْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ غَيْرُ النَّقْدَيْنِ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ عَيْنًا تَارَةً وَدَيْنًا أُخْرَى فَكَانَ ثَمَنًا فِي حَالٍ مَبِيعًا فِي حَالٍ وَمِنْ حُكْمِ الثَّمَنِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ وُجُودُهُ فِي مِلْكِ الْعَاقِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِفَوَاتِ تَسْلِيمِهِ وَيَصِحُّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ وَمِنْ حُكْمِ الْمَبِيعِ أَنْ يُشْتَرَطَ وُجُودُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي غَيْرِ السَّلَمِ وَأَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَمِنْ شَرْطِهِمَا أَنْ لَا يَجُوزَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَأَنْ يَجِبَ تَعْيِينُهُمَا فِيمَا يَتَعَيَّنُ وَقَبْضُهُمَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ وَفِي غَيْرِ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا فَقَطْ، وَإِنْ قُوبِلَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَلَانِ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا إنْ كَانَا يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ إنْ جَمَعَهُمَا الْقِدْرُ كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَإِنْ كَانَا لَا يَتَعَيَّنَانِ يَجِبُ قَبْضُهُمَا كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقِدْرُ كَالْحِنْطَةِ، وَالْفِضَّةِ، أَوْ الْفُلُوسِ مَعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّرًا، وَالْآخَرُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ كَالثِّيَابِ مَعَ النَّقْدَيْنِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ يَجِبُ تَعْيِينُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كَيْ لَا يَكُونَ كَالِئًا بِكَالِئٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)، وَهِيَ مُطْلَقُ الضَّمِّ لُغَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: ٣٧] أَيْ ضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً مِنْ الْفِضَّةِ) أَيْ فَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفُلُوسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا جَازَ فَكَذَا إذَا ذَكَرَ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ فَكَانَ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِإِزَائِهِ مِنْ الْفِضَّةِ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالْفُلُوسُ بِإِزَاءِ الْبَاقِي مِنْ الدَّرَاهِمِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ شَرَطَهُ فَقَالَ أَعْطِنِي كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَدِرْهَمًا صَغِيرًا وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيرَاطًا كَانَ هَذَا جَائِزًا كُلُّهُ إذَا تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَةَ الْإِعْطَاءِ كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ بِأَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ وَيَبْطُلَ فِي حِصَّةِ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ مِنْ الْأَصْلِ وَقَالَ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا كَذَا فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا صَغِيرًا يَكُونُ فِيهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَرْفُ نِصْفٍ بِنِصْفِ الْحَبَّةِ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَفْسُدَ فِي الْفُلُوسِ وَالدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهَا فَسَدَ كُلُّهَا وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفُلُوسُ جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ وَالدِّرْهَمُ الصَّغِيرُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ فَقَدْ صَرَّحَ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ إنَّهُمَا بَيْعَانِ اهـ.

(قَوْلُهُ جَازَ فِي الْفُلُوسِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَفَرَّقَ بِتَكْرَارِ الْإِعْطَاءِ كَذَا قَالُوا لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةٌ كَقَوْلِهِ بِعْنِي وَبِالْمُسَاوَمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ بِتَكْرَارِ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ اهـ.

ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ وَبَطَلَ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لِتَكْرَارِ لَفْظِ أَعْطِنِي اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِهِمَا) أَيْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ اهـ. .

[كِتَابُ الْكَفَالَةِ]

(كِتَابُ الْكَفَالَةِ) ذَكَرَ كِتَابَ الْكَفَالَةِ عَقِيبَ الْبُيُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ غَالِبًا فِي الْبِيَاعَاتِ وَلِأَنَّ فِي الْكَفَالَةِ إذَا كَانَ بِأَمْرٍ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ انْتِهَاءً فَنَاسَبَ ذِكْرُهَا عَقِيبَ الْبُيُوعِ الَّتِي هِيَ مُعَاوَضَةٌ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْرَدَ الْكَفَالَةَ عَقِيبَ الْبُيُوعِ لِأَنَّ غَالِبًا يَكُونُ تَحَقُّقُهَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>