للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الثَّانِيَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ تَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ، ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، ثُمَّ الْمَجْلِسُ لَا يَخْتَلِفُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَلَا بِخُطْوَةٍ وَخُطْوَتَيْنِ، وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ فِي بَيْتٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْمَجْلِسُ كَبِيرًا يَخْتَلِفُ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ وَفِي الدَّوْسِ وَتَسْدِيَةِ الثَّوْبِ وَالِانْتِقَالِ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالسَّجِّ فِي نَهْرٍ أَوْ حَوْضٍ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ تَتَكَرَّرُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ لِلْأَمَاكِنِ إذْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّحَادِ الْمَكَانِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ مَا قَرَأَهَا فَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ الْعَوْدِ لَا تَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا وَلَا تَقْطَعُ الْكَلِمَةُ وَلَا الْكَلِمَتَانِ وَلَا اللُّقْمَةُ وَلَا اللُّقْمَتَانِ، وَالْكَثِيرُ قَاطِعٌ، وَلَوْ تَلَاهَا فَسَجَدَ ثُمَّ أَطَالَ الْجُلُوسَ أَوْ الْقِرَاءَةَ فَأَعَادَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ تَبَدَّلَ مَجْلِسُ السَّامِعِ دُونَ التَّالِي تَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ السَّمَاعُ، وَكَذَا إذَا تَبَدَّلَ مَجْلِسُ التَّالِي دُونَ السَّامِعِ عَلَى مَا قِيلَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ لِمَا قُلْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَيْفِيَّتُهُ) أَيْ وَكَيْفِيَّةُ السُّجُودِ (أَنْ يَسْجُدَ بِشَرَائِطِ الصَّلَاةِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ بِلَا رَفْعِ يَدٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ) أَيْ بِلَا تَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ تَكْبِيرَةٌ عِنْدَ الْوَضْعِ وَالْأُخْرَى عِنْدَ الرَّفْعِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ دُونَ الِانْتِهَاءِ، وَقِيلَ: يُكَبِّرُ فِي الِابْتِدَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الِانْتِهَاءِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكَبِّرُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكَبِّرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لِلِانْتِقَالِ فَيَأْتِي بِهِ فِيهِمَا اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَقَوْلُهُ بِلَا رَفْعِ يَدٍ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَفْعَلُ فِي السَّجْدَةِ يَعْنِي لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ» وَلَا تَشَهُّدَ عَلَيْهِ وَلَا سَلَامَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْلِيلِ، وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ، وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا، ثُمَّ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيَسْجُدَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلِأَنَّ الْخُرُورَ فِيهِ أَكْمَلُ فَكَانَ أَوْلَى وَيَقُولُ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً وَيَدَعَ آيَةَ السَّجْدَةِ)؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا وَيُوهِمُ الْفِرَارَ مِنْ لُزُومِ السَّجْدَةِ وَهِجْرَانَ بَعْضِ الْقُرْآنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ مُبَادِرٌ إلَيْهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ لِدَفْعِ وَهْمِ التَّفْضِيلِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فَهُوَ أَحَبُّ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا كَانَ أَعَمَّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَا كَذَلِكَ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهَا وَاسْتَحْسَنُوا إخْفَاءَهَا شَفَقَةً عَلَى السَّامِعِينَ وَقِيلَ: إنْ وَقَعَ بِقَلْبِهِ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ جَهَرَ بِهَا لِيَكُونَ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ.

[مواضع سُجُود التِّلَاوَة]

وَمَوْضِعُ السُّجُودِ فِي حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ قَوْلِهِ {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] وَفِي النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: ١٢٩] وَشَذَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: ٢٥] وَقِيلَ: عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَلا يَسْجُدُوا} [النمل: ٢٥] بِالتَّخْفِيفِ وَفِي ص عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: ٢٤] عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: ٢٩] وَفِي الِانْشِقَاقِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ فِي آخِرِ السُّورَةِ.

، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَسْجُدُ، وَلَوْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ بِحَرْفِ السَّجْدَةِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ لَوْ قَرَأَ {وَاسْجُدْ} [العلق: ١٩] وَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ {وَاقْتَرَبَ} [الأنبياء: ٩٧] تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى زَاوِيَةٍ إلَى آخِرِهِ)، وَلَوْ قَرَأَهَا فِي زَوَايَا الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْتِ وَالدَّارِ وَقِيلَ فِي الدَّارِ إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً كَبَيْتِ السُّلْطَانِ فَتَلَا فِي دَارٍ مِنْهَا، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَلْزَمُهُ سَجْدَةٌ أُخْرَى، وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا تَلَا فِي دَارٍ، ثُمَّ تَلَا فِي دَارٍ أُخْرَى يَكْفِيهِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْحُجَّةِ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَتَحَوَّلَ عَنْ مَكَانِهِ كَثِيرًا فَأَعَادَ التِّلَاوَةَ يَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَهَا رَاكِبًا عَلَى الدَّابَّةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ الَّذِي عَقَدَهُ آخِرَهَا فِيمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - رَجُلٌ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى غُصْنٍ آخَرَ فَأَعَادَهَا إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ بِدُونِ نُزُولٍ مِنْ الْأَوَّلِ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ مُتَّحِدٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِقَالُ إلَّا بِالنُّزُولِ مِنْ الْأَوَّلِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ غَيْرُ مُتَّحِدٍ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ مِرَارًا عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ يَسُوقُ الدَّابَّةَ خَلْفَهُ وَجَبَ عَلَى التَّالِي سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَى سَائِقِ الدَّابَّةِ بِكُلِّ تِلَاوَةٍ سَجْدَةٌ. اهـ.

[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ).

وَهُوَ مُفَاعِلٌ مِنْ سَافَرَ بِمَعْنَى سَفَرَ؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ. اهـ. عَيْنِيٌّ السَّفَرُ عَارِضٌ مُكْتَسَبٌ كَالتِّلَاوَةِ إلَّا أَنَّ التِّلَاوَةَ عَارِضٌ هُوَ عِبَادَةٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا بِعَارِضٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ إلَّا بِعَارِضٍ فَلِذَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَنْ ذَلِكَ اهـ كَمَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>