وَفِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ)؛ لِأَنَّ جَرَيَانَ السَّفِينَةِ لَا يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَافِ وَالتَّسْيِيرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: ٢٢] فَأَضَافَ الْجَرْيَ إلَيْهَا فَيَثْبُتُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا وَإِنْ تَحَوَّلَتْ بَطَلَ كَمَا فِي الْبَيْتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَسَارَتْ بَطَلَ خِيَارُهَا
(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ)؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَلَّقْتُك؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْخَبَرِ لُغَةً فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا إنْ كَانَ مُطَابِقًا أَوْ كَاذِبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ إيقَاعًا فَصَارَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَوْ نَوَى ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ وَاللَّفْظُ لَا يَقْتَضِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جَمِيعُ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا فَيَصِحُّ، وَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةً عَلَى مَا يَأْتِي وَجْهُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِأَبَنْتُ نَفْسِي طَلُقَتْ لَا بِاخْتَرْتُ) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك تَطْلُقُ وَلَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهَا اخْتَرْت فِي الْجَوَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَضْعًا؛ لِأَنَّهَا لِلْقَطْعِ وَحُكْمًا حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَبَنْتُك أَوْ قَالَتْ هِيَ أَبَنْتُ نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَلَمْ تَمْنَعْ الْمُوَافَقَةَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً. وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالَ لَهَا اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ هِيَ اخْتَرْت نَفْسِي وَأَجَازَ الزَّوْجُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عُرِفَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إذَا كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ. وَقَوْلُهُ طَلِّقِي لَيْسَ بِتَخْيِيرٍ فَيَلْغُو وَلَا يُقَالُ بِقَوْلِهَا أَبَنْت فَقَدْ خَالَفَتْ أَمْرَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقَعَ كَمَا لَوْ أَمَرَهَا بِنِصْفِ تَطْلِيقَةٍ فَطَلُقَتْ وَاحِدَةً أَوْ أَمَرَ بِثَلَاثٍ فَطَلُقَتْ أَلْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ هِيَ وَافَقَتْهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْوَصْفِ لَا تَعْدَمُ الْأَصْلَ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا لِكَوْنِهِ تَبَعًا بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَتَتْ بِغَيْرِهِ فَيُعْتَبَرُ خِلَافًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي؛ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْمُفَوَّضُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَحْمَلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَالسَّفِينَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفُلْكُ كَالْبَيْتِ) أَيْ فِي كُلِّ مَا يُبْطِلُ الْخِيَارَ إذَا كَانَتْ فِي الْبَيْتِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
[فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ]
(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك إلَخْ) فَإِنْ قُلْت كَيْفَ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ الْفَصْلِ بِقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك وَالْفَصْلُ فِي الْمَشِيئَةِ وَلَيْسَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ذِكْرُ الْمَشِيئَةِ قُلْت الْمَشِيئَةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَذْكُورَةٍ لَفْظًا مَذْكُورَةٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا بِمَشِيئَتِهَا وَاخْتِيَارِهَا، وَلِهَذَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً إلَخْ) أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِأَنَّهُ مَلَكَهَا إيَّاهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاحِدَةً فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْنَاهُ فَعَلَى فِعْلِ الطَّلَاقِ وَهُوَ جِنْسٌ يَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى الْمُتَيَقَّنِ وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ عِنْدَ الْإِرَادَةِ وَالنِّيَّةِ. وَأَمَّا كَوْنُهُ رَجْعِيًّا فَلِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ) أَيْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي مُخْتَصَرٌ مِنْ قَوْلِهِ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْ الْكَلَامِ كَالْمُطَوَّلِ وَقَدْ صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُطَوَّلِ فَكَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ. اهـ. كَافِي وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَعْنَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُفْتَرِقًا. اهـ. فَتْحٌ وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) أَيْ أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَأَجَازَ الزَّوْجُ بَانَتْ) أَيْ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا طَلَاقًا تَبِينُ بِهِ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ) أَيْ فَإِذَا قَالَتْ أَبَنْت فَقَدْ أَتَتْ بِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَزَادَتْ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ) أَيْ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي) هَكَذَا عَبَّرَ فِي الْكَافِي تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ بِلَفْظِ يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَنُصَّ فِيهِ عَلَى الرَّجْعِيِّ بَلْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ، وَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَصْرِيحِ مُحَمَّدٍ بِالرَّجْعِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ رَجْعِيَّةً) أَيْ بِقَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك. اهـ. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَلَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) أَيْ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ؛ لِأَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِي الْأَصْلِ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرُ إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُوَافَقَةِ أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعُ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعُ بِالْبَائِنِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ فِي الْأَصْلِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute