السُّودَانِ يُقْطَعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِي الْأَبْوَابِ إذَا كَانَتْ فِي الْحِرْزِ وَكَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَثْقُلُ حِمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِي سَرِقَةِ الثَّقِيلِ مِنْ الْأَبْوَابِ وَإِنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً عَلَى الْبَابِ لَا يُقْطَعُ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِهِ بَلْ هِيَ حِرْزٌ لِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْحِرْزَ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْيَدِ إلَى الْمَالِ وَيَصِيرُ الْمَالُ بِهِ مُحْصَنًا وَهِيَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِالتَّرْكِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا بِرَضَاعٍ وَمِنْ زَوْجَتِهِ وَزَوْجِهَا وَسَيِّدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَزَوْجِ سَيِّدَتِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَخَتْنِهِ وَصِهْرِهِ وَمِنْ مَغْنَمٍ وَحَمَّامٍ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلِلْبُسُوطَةِ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ عَادَةً وَلِهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَأَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَجَرَتْ الْبُسُوطَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَالِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِيهِ إذَا كَانَ فَقِيرًا فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ ظَاهِرَةً وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الصَّدِيقِ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ عَادَاهُ فَلَمْ يَبْقَ صَدِيقًا لَهُ وَفِي غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهَا بِالْأَجَانِبِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النَّفَقَةِ وَالْعَتَاقِ
وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَالَ غَيْرِهِ لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَبِالْعَكْسِ يُقْطَعُ لِوُجُودِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ فِي الْوِلَادِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الشُّبْهَةِ فِي مَالِهِ وَقَوْلُهُ لَا بِرَضَاعٍ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِيهِ لِعَدَمِ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهَا عَادَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ بِخِلَافِ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ لَا يَشْتَهِرُ فَلَا يُوجِبُ الْبُسُوطَةَ وَالْمَحْرَمِيَّةُ بِدُونِ الْقَرَابَةِ لَا تُحْتَرَمُ كَمَا إذَا ثَبَتَتْ بِالزِّنَا وَلِهَذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْأَخِ أَوْ سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجَةِ سَيِّدِهِ أَوْ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ]
(فَصْلٌ فِي الْحِرْزِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَوْ لَا يَجِبُ فِيهِ وَالْمَسْرُوقُ هُوَ الْمَالُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحِرْزِ لِأَنَّ الْحِرْزَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَطْعِ إلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ ذِكْرَهُ لِأَنَّ الْحِرْزَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَالِ وَالْحِرْزُ فِي اللُّغَةِ الْمَوْضِعُ الْحَرِيزُ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ أَيْ يُحْفَظُ وَفِي الشَّرْعِ مَا يُحْفَظُ فِيهِ الْمَالُ عَادَةً كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْخَيْمَةِ أَوْ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحِرْزِ مَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ) أَيْ نَهَارًا. اهـ. مَجْمَعٌ (قَوْلُهُ وَبَيْتٍ إلَخْ) بَعْدَ قَوْلِهِ وَحَمَّامٍ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَقَارِبِ) كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ فَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ الْقَطْعُ لَهُ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَلِأَنَّ مِلْكَ أَحَدِهِمَا مُبَايِنٌ لِمِلْكِ الْآخَرِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ لِوُجُودِ سَرِقَةٍ مِنْ حِرْزٍ كَامِلٍ وَلَنَا أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجِبُ إلَّا بِأَخْذِ الْمَالِ وَهَتْكِ الْحِرْزِ وَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فَلَا يَبْقَى الْمَالُ مُحْرَزًا فِي حَقِّ السَّارِقِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١]
فَإِنْ قُلْت الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْأَكْلِ لَا إبَاحَةِ الدُّخُولِ قُلْت الْأَكْلُ فِي الْبَيْتِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدُّخُولِ فِيهِ فَدَلَّ إبَاحَةُ الْأَكْلِ فِي الْبَيْتِ عَلَى إبَاحَةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَمَعَ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فِيهِ لَا يَكُونُ الْحِرْزُ ثَابِتًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُكُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيهَا {أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: ٦١] وَمَعَ هَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الصَّدِيقِ قُطِعَ قُلْت لَمَّا سَرَقَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَدِيقًا بَلْ كَانَ عَدُوًّا بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ لَا يُقَالُ لَمْ تَبْقَ الْأُخُوَّةُ أَوْ الْعُمُومَةُ أَوْ الْخُؤُولَةُ أَوْ الْقَرَابَةُ بِالسَّرِقَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَالْجَوَابُ عَنْ آيَةِ السَّرِقَةِ فَنَقُولُ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالْإِجْمَاعِ قَدْ خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ وَغَيْرُ الْحِرْزِ وَمَالٌ فِيهِ شَرِكَةٌ لِلسَّارِقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ قُلْنَا هَذَا مَالٌ غَيْرُ مُحْرَزٍ فِي حَقِّ السَّارِقِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فَلَا يُقْطَعُ كَمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ) أَمَّا قَرَابَةُ الْوِلَادِ فَلَا قَطْعَ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ يُقْطَعُ) أَيْ كَمَا إذَا سَرَقَ مَالَ ذِي رَحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ) لَك أَنْ تَقُولَ بَلْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ ابْنَ الْعَمِّ مَثَلًا أَوْ ابْنَ الْخَالِ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ لَا بِرَضَاعٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي حَالَ الْمُطَالَعَةِ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمِثْلِ مَا ظَهَرَ لِي وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ اهـ
(قَوْلُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَبَ الْقَطْعُ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ أُمِّهِ رَضَاعًا لَا يُقْطَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُوجِبُ الْبُسُوطَةَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَى الْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ يَعْنِي بَيْنَهُمَا انْبِسَاطٌ فِي دُخُولِ الْمَنْزِلِ فَلَا يُقْطَعُ فَقَالَ الرَّضَاعُ قَلِيلٌ اشْتِهَارُهُ عَادَةً فَلَا انْبِسَاطَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ لِعَدَمِ اشْتِهَارِ الرَّضَاعِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوْقِفِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْأُمِّ مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّ النَّسَبَ أَمْرٌ مُشْتَهِرٌ فَالِانْبِسَاطُ مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ اهـ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ) فَإِنْ قُلْت أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رُبَّمَا يُحْرِزُ مَالَهُ عَنْ الْآخَرِ قُلْت نَعَمْ لَكِنْ لَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ التَّبَسُّطُ فِي الْمَنْزِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute