للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَمْسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِمَا نَذْكُرُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْأَرْشِ بِرِضَاهَا وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَع مِثْلُهَا فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالْمَهْرُ كَامِلًا وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِتَمَكُّنِ الْقُصُورِ فِي مَعْنَى الزِّنَا وَهُوَ الْإِيلَاجُ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَالْوَطْءُ الْحَرَامُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يُوجِبُ الْمَهْرَ إذَا انْتَفَى الْحَدُّ فَيَجِبُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِكَوْنِهِ جَائِفَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ الدِّيَةَ وَلَا يَضْمَنُ الْمَهْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُف رَحِمَهُمَا اللَّهُ

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْمَهْرَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُمَا أَنَّ الدِّيَةَ ضَمَانُ كُلِّ الْعُضْوِ وَالْمَهْرَ ضَمَانُ جُزْءٍ مِنْهُ وَضَمَانُ الْجُزْءِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْكُلِّ إذَا كَانَا فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ كَمَا إذَا قُطِعَ إصْبَعُ إنْسَانٍ ثُمَّ قُطِعَ كَفُّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدْخُلُ أَرْشُ الْإِصْبَعِ فِي أَرْشِ الْكَفِّ وَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِهَذَا الْوَطْءِ لِوُجُودِ صُورَةِ الزِّنَا وَهُوَ الْوَطْءُ الْحَرَامُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ كَسَرَ فَخِذَ امْرَأَةٍ فِي الزِّنَا أَوْ جَرَحَهَا ضَمِنَ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ وَحُدَّ لِأَنَّهُ شِبْهُ الْعَمْدِ وَفِي شِبْهِ الْعَمْدِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ يَعْنِي بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَمْوَالِ لَا بِالْحَدِّ) يَعْنِي مِثْلَ حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِإِقَامَتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمُفَوَّضَةِ إلَى الْإِمَامِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إقَامَتِهَا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا بِطَرِيقِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ لِيَنْزَجِرَ وَلَا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَنْزَجِرُ بِمُعَاقَبَةِ نَفْسِهِ إذْ لَا يَخَافُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَا يُبَالِي بِهَا فَلَا يُفِيدُ وَفِعْلُ نَائِبِهِ كَفِعْلِهِ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ لَا يُشْرَعُ لِأَنَّ الْأَسْبَابَ إنَّمَا تُشْرَعُ لِأَحْكَامِهَا فَإِذَا لَمْ تُفِدْ أَحْكَامَهَا لَا تَكُونُ مَشْرُوعَةً وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ كَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا بِخِلَافِ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَمْوَالِ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَضَاءُ بَلْ لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِمَامِ لِيُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِالْمَنَعَةِ وَالْإِمَامُ فِيهِ كَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُهُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَكَذَا هُنَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْإِمَامِ إمَّا بِتَمَكُّنِهِ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ) مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْفَوْرِ بُعْدُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ وَحَدُّ التَّقَادُمِ شَهْرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُقَدِّرْهُ بِشَيْءٍ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي عَلَى مَا هُوَ دَأْبُهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَأَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِشُرْبِ خَمْرٍ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ وَكَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الشَّهْرَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْخَلِيفَةُ يُؤْخَذُ بِالْقِصَاصِ وَبِالْأَمْوَالِ إلَخْ) فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إلَّا الْقِصَاصَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ وَبِالْأَمْوَالِ وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْإِمَامِ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ إذَا صَنَعَ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ فَلَا حَدَّ وَأَمَّا الْقِصَاصُ وَالْمَالُ فَيُؤَاخَذُ بِهِ وَفَسَّرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِمَامَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ بِالْخَلِيفَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ إنْسَانًا أَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودَ يُفَوَّضُ إقَامَتُهَا وَاسْتِيفَاؤُهَا إلَى الْإِمَامِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدُّ الْقَذْفِ الْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا فَكَانَ كَبَقِيَّةِ الْحُدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لِتَمْكِينِ الْوَلِيِّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ اهـ كَمَالٌ

[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا]

(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا وَالرُّجُوعِ عَنْهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَدْ ذُكِرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ ثُبُوتَ الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ وَبِهِمَا جَمِيعًا ثُمَّ احْتَاجَ هُنَا أَنْ يَذْكُرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ سَبَبًا لِرَدِّ الشَّهَادَةِ مِثْلَ التَّقَادُمِ وَالرُّجُوعِ وَكَوْنِ الشُّهُودِ عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِثْلَ ظُهُورِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا بِكْرًا أَوْ مِثْلَ كَوْنِ عَدَدِ الشُّهُودِ أَقَلَّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُذْكَرُ فِي الْبَابِ فَأُخِّرَ الْبَابُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عَوَارِضُ وَالْأَصْلُ عَدَمِ الْعَارِضِ اهـ (قَوْلُهُ مُتَقَادِمٍ) قَالَ الْكَمَالُ إسْنَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى ضَمِيرِ السَّبَبِ أَيْ مُتَقَادِمٍ سَبَبُهُ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَقَوْلُهُ شَهِدُوا بِحَدٍّ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ بِسَبَبِ الْحَدِّ وَالتَّقَادُمُ صِفَةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَالتَّقَادُمُ مِنْ الْقِدَمِ بِمَعْنَى الْقَدِيمِ وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ شَهِدُوا بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ أَيْ بِحَدٍّ قَدِيمٍ سَبَبُهُ لَا حَدِيثٍ وَالْقَدِيمُ يَكُونُ بِمَعْنَى الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِزِنًا بَعْدَ حِينٍ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ) وَقَدْ جَعَلُوهُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْهُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ جَهَدْنَا بِأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُقَدِّرَهُ لَنَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي كُلِّ عَصْرٍ فَمَا رَآهُ بَعْدَ مُجَانَبَةِ الْهَوَى تَفْرِيطًا فَهُوَ تَقَادُمٌ وَمَا لَا يُعَدُّ تَفْرِيطًا غَيْرُ مُتَقَادِمٍ وَأَحْوَالُ الشُّهُودِ وَالنَّاسِ وَالْعُرْفِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ نَظَرٍ نَظَرٌ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ فِيهَا تَأْخِيرٌ فَنَصْبُ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ مُتَعَذِّرٌ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَقَدْ جَعَلُوهُ أَيْ لَفْظَ حِينٍ اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشُّهُودَ مَتَى زَنَى بِهَا فَقَالُوا مُنْذُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ قَالُوا شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّاطِفِيُّ فَقَدْ قَدَّرَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِشَهْرٍ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>