للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَهِيَ تُنْكِرُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الْمَهْرِ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّهَا أَوْ نَقُولُ صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا بِسُقُوطِ الْحَدِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَكْذِيبِهَا كَمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَنْكَرَتْ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ وَإِنْ أَنْكَرَتْ لِمَا ذَكَرْنَا فَكَذَا هُنَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ) مُرَادُهُ قَتَلَهَا بِفِعْلِ الزِّنَا لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ كَمَا إذَا زَنَى بِهَا ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهَا وَلَا يُقَالُ لَمَّا مَاتَتْ بِفِعْلِ الزِّنَا صَارَ الزِّنَا قَتْلًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ إلَّا الْقَتْلُ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الزِّنَا كَقَطْعِ الْيَدِ إذَا سَرَى وَمَاتَ صَارَ قَتْلًا وَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْقَطْعِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ النَّفْسِ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِصَاصِ لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الْيَدِ بَدَلُ الْيَدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بَدَلُ النَّفْسِ وَالْيَدُ تَابِعَةٌ لِلنَّفْسِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ تَهْلِكُ بِهَلَاكِ النَّفْسِ تَبَعًا وَيَدْخُلُ ضَمَانُهَا فِي ضَمَانِ النَّفْسِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَضَمَانِ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِالزِّنَا وَالْآخَرُ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ فَصَارَ كَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا لِذِمِّيٍّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْخَمْرِ لِلذِّمِّيِّ لِمَا قُلْنَا

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إيَّاهَا بِفِعْلِ الزِّنَا سَبَبٌ لِمِلْكِهِ إيَّاهَا لِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدٌ إلَى وَقْتِ وُجُودِ سَبَبِ الضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِهِ فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يَسْقُطُ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ الْقَطْعِ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ فَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ مَالٍ وَإِنَّمَا هُوَ ضَمَانُ الدَّمِ وَهُوَ بِمُقَابَلَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُقَسَّطًا عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلَوْ كَانَ ضَمَانَ مِلْكٍ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْمَالِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ وَحْدَهُ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْمِلْكِ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ وَإِنَّمَا سَقَطَ فِي السَّرِقَةِ لِانْتِهَاءِ الْخُصُومَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِيهِ لَا فِي حَدِّ الزِّنَا وَلَوْ اسْتَنَدَ الْمِلْكُ كَمَا قَالَ كَأَنْ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ وَهُوَ الْعَيْنُ لَا فِي حَقِّ الْمُتَلَاشِي وَهُوَ الْمُسْتَوْفَى مِنْ مَنَافِعِ الْبِضْعِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يُجْعَلَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَهُ بَلْ الْمُسْتَوْفَى حَرَامٌ مَحْضٌ فَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِمِلْكِ الْعَيْنِ بَعْدَهُ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْقِيمَةِ يَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْجِنَايَةِ بِالْمَوْتِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذْهَبَ عَيْنَهَا بِالزِّنَا حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَسْقُطُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ إذْ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فَأَمْكَنَ إبْقَاءُ الْمَنَافِعِ تَبَعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَتْ

وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَمَا زَنَى بِهَا أَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَزَنَى بِهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَتَلَتْ نَفْسًا عَمْدًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَمْلِكُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَأَوْرَثَتْ شُبْهَةً وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ فَإِنْ فَدَاهَا الْمَوْلَى يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الزَّانِيَ لَمْ يَمْلِكْ الْجُثَّةَ وَإِنْ دَفَعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ وَلَوْ زَنَى بِكَبِيرَةٍ فَأَفْضَاهَا فَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْإِفْضَاءِ لِرِضَاهَا بِهِ وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ

وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا وَلَا مَهْرَ لَهَا ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِفْضَاءِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْمَرْأَةِ كَامِلَةً لِأَنَّهُ فَوَّتَ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا حُدَّ وَضَمِنَ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِمَا أَنَّ جِنَايَتَهُ جَائِفَةٌ وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَوْلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُقِرَّةَ بِالزِّنَا) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْفِي وُجُوبَ الْمَهْرِ بِزَعْمِهَا أَنَّهَا زَانِيَةٌ وَلَا عُقْرَ لَهَا. اهـ. كِفَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا) إنَّمَا قَيَّدَ بِالْأَمَةِ لِتَكُونَ صُورَةُ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا يُحَدُّ اتِّفَاقًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ) أَيْ وَهُمَا الزِّنَا وَالْقَتْلُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ عَنْهُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا خِلَافُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَادَتُهُ إذَا كَانَ خِلَافُهُ ثَابِتًا ذَكَرَهُ وَكَذَا الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْكَافِي خِلَافًا وَإِنَّمَا نَقَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ خِلَافَهُ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَحِينَ نَقَلَ قَوْلَهُ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا قَوْلَ لِمُحَمَّدٍ

وَقِيلَ الْأَشْبَهُ كَوْنُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا قَوْلَ لَهُ بِأَنْ تَوَقَّفَ لَذَكَرَهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لِأَنَّ مُحَمَّدًا كَانَ فِي عِدَادِ تَلَامِذَتِهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا قَالَهُ قَوْلًا يَنْقُلُهُ هُوَ وَعَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ هَكَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَلَهُمَا أَنَّهُ ضَمَانُ قَتْلٍ اهـ فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ زَنَى وَجَنَى فَيُؤَاخَذُ بِمُوجِبِ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالضَّمَانِ وَكَوْنُ الضَّمَانِ يَمْنَعُ الْحَدَّ لِاسْتِلْزَامِهِ الْمِلْكَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ دَمٍ وَجَبَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا يَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَهُوَ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ وَالدَّمِ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ يَسْقُطُ) أَيْ يَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ غَصَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ

أَمَّا لَوْ زَنَى بِهَا ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ. اهـ. كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ بِالْإِجْمَاعِ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ كِتَابِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ أَفْضَاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَانْظُرْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>