أَقَامَهُمَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَرِكَتِهِ لَا فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا وَالْمُوصِي أَبًا حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي الْكُلِّ لِأَنَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ جَمِيعِهِ فَيَكُونَانِ مُتَّهَمَيْنِ فَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَالِ الْمَوْرُوثِ مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ، وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَبِيرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا إذَا شَهِدَا لِوَاِرثٍ كَبِيرٍ يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ الْمُوصِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لَا تَثْبُتُ لَهُمَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا فَعَرِيَتْ عَنْ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَغِيرًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمَا مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ لَا) وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا، وَيُرْوَى أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمْ إذَا جَاءُوا مَعًا، وَشَهِدُوا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ فَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا ثُمَّ ادَّعَى الشَّاهِدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ لَهُمَا الْغَرِيمَانِ الْأَوَّلَانِ تُقْبَلُ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِبْ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمَا قَبَضَ، وَلَا يَكُونُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَأَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا تَتَمَكَّنُ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ الْفَرِيقَانِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِ التَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ أَنْ يَسْتَخْلِصَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، وَلَوْ قَبَضَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ شَيْئًا كَانَ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ كُلُّ فَرِيقٍ مُثْبِتًا لِنَفْسِهِ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّرِكَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ لِخَرَابِ الذِّمَّةِ، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَشَهَادَةُ كُلِّ فَرِيقٍ تُلَاقِي مَحِلًّا مُشْتَرَكًا فَصَارَ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ بِبَقَائِهَا لَا فِي الْمَالِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الشَّرِكَةُ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا إذَا جَاءَا مَعًا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَتَتَفَاحَشُ التُّهْمَةُ فَتُرَدُّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا عَلَى التَّعَاقُبِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ مَضَى وَثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ بِلَا تُهْمَةٍ، وَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُهُ الْأَوَّلُ عِنْدَ صُدُورِهِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ، وَالْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالْوَصِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ فِيهَا شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الشَّرِكَةَ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلَيْنِ بِعَيْنٍ كَالْعَبْدِ، وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى لِلشَّاهِدَيْنِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ لِرَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ، وَشَهِدَ الْمَشْهُودُ لَهُمَا لِلشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِعَيْنٍ آخَرَ حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فَلَا تُهْمَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأَوَّابِ.
(كِتَابُ الْخُنْثَى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ مَنْ لَهُ فَرْجٌ وَذَكَرٌ) أَيْ الْخُنْثَى مَنْ لَهُ فَرْجُ الْمَرْأَةِ، وَذَكَرُ الرَّجُلِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْآلَتَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّكَسُّرِ وَاللِّينِ، وَمِنْهُ يُقَالُ تَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ إذَا لَانَ وَتَكَسَّرَ. اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْبَشَرَ ذَكَرًا وَأُنْثَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: ١] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: ٤٩] وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَنْ هُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ.
وَقَدْ جَعَلَ عَلَامَةَ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا الْآلَةَ ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ بِأَنْ يُوجَدَ الْآلَتَانِ، وَلَا يُوجَدَ التَّمْيِيزُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ بَالَ مِنْ الذَّكَرِ فَغُلَامٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ الْفَرْجِ فَأُنْثَى) لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُوَرَّثُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ»
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عَوْدُ الْوِلَايَةِ بِالْجُنُونِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ. اهـ. كَافِي
(قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّرِكَةَ لَوْ هَلَكَتْ إلَخْ) وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرَقَةً بِالدَّيْنِ فَأَرَادَ الْوَارِثُ اسْتِخْلَاصَ التَّرِكَةِ وَنَقْدَ الْمَالِ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ لِأَنَّ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِ التَّرِكَةِ بِالدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا مِلْكَ لَهُمْ وَلَكِنْ لَهُمْ حَقُّ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ أَمَّا لَوْ قَالُوا نَحْنُ نُؤَدِّي الدَّيْنَ وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ نَقْدًا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ التَّرِكَةَ وَيَقْضِيَ حَقَّ الْغُرَمَاءِ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَوْ نَقَدَ الدَّيْنَ لَا يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْقَبُولِ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنُ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى التَّرِكَةِ فَلِلْوَرَثَةِ وِلَايَةُ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِأَدَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ لَا بِقَدْرِ التَّرِكَةِ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا فَدَاهُ الْمَوْلَى فَدَاهُ بِأَرْشِهِ اهـ فُصُولُ الْعِمَادِيِّ
[كِتَابُ الْخُنْثَى]
(كِتَابُ الْخُنْثَى) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ هِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ عَرِيَ عَنْ الْآلَتَيْنِ جَمِيعًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ بِعَدَمِ آلَةِ التَّمْيِيزِ أَصْلًا بِأَنْ يُولَدَ وَلَدٌ لَيْسَ لَهُ آلَةُ الذَّكَرِ وَلَا آلَةُ الْأُنْثَى وَهَذَا أَبْلَغُ وَجْهَيْ الِاشْتِبَاهِ وَلِهَذَا بَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَ الْخُنْثَى بِهِ اهـ وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَيْسَ بِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلْأُنْثَى وَلَيْسَ لَهُ مَا لِلذَّكَرِ يَخْرُجُ مِنْ سُرَّتِهِ كَهَيْئَةِ الْبَوْلِ الْغَلِيظِ فَسُئِلَ عَنْ مِيرَاثِهِ فَقَالَ عَامِرٌ لَهُ نِصْفُ حَظِّ الْأُنْثَى وَنِصْفُ حَظِّ الذَّكَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا عِنْدَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute