للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ

وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَتَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ الْمَوْلَى وَرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فَتَنْتَقِلُ عِبَارَتُهُ إلَى الْمَوْلَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ زَوَّجَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالُوا: هَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَصْلِ أَصْحَابِنَا، فَإِنَّ أَصْلَهُمْ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ، وَالْإِذْنُ فَكُّ الْحَجْرِ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى فَيَصْلُحُ شَاهِدًا، وَلَوْ زَوَّجَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْبَالِغَ امْرَأَةً بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالْعَبْدُ حَاضِرٌ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاشِرًا فَيَنْتَقِلُ إلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ غَائِبًا لَمْ يَجُزْ وَعَلَى هَذَا الْأَمَةُ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا يَجُوزُ فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ إذَا وَقَعَ التَّجَاحُدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلِلْمُبَاشِرِ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ بَلْ قَالَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْوَاعٌ النَّوْعُ الْأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ أَنْوَاعٌ فُرُوعُهُ وَأُصُولُهُ وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا وَفُرُوعُ أَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَنْوَاعٌ أَرْبَعَةٌ فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ وَأُصُولُهُنَّ وَحَلَائِلُ فُرُوعِهِ وَحَلَائِلُ أُصُولِهِ وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ وَأَنْوَاعُهُنَّ كَالنَّسَبِ وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ حُرْمَةُ الْجَمْعِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ حُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْخَمْسِ أَوْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَالْحُرَّةُ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ: الْمُحَرَّمَةُ لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَمُعْتَدَّتِهِ وَالْحَامِلِ بِثَابِتِ النَّسَبِ، وَالنَّوْعُ السَّادِسُ الْمُحَرَّمَةُ لِعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ كَالْمَجُوسِيَّةِ وَالْمُشْرِكَةِ، وَالنَّوْعُ السَّابِعُ الْمُحَرَّمَةُ لِلتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ مَمْلُوكَهَا وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ كُلِّ نَوْعٍ بِدَلِيلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَرُمَ تَزَوُّجُ أُمِّهِ وَبِنْتِهِ وَإِنْ بَعُدَتَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] وَالْجَدَّاتُ أُمَّهَاتٌ وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بَنَاتٌ؛ إذْ الْأُمُّ هِيَ الْأَصْلُ لُغَةً، وَالْبِنْتُ هِيَ الْفَرْعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: ٧] أَيْ أَصْلُهُ وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَمْرُ أُمُّ الْخَبَائِثِ» وَلِكَوْنِ الْبِنْتِ اسْمًا لِلْفَرْعِ يَتَنَاوَلُ النَّصُّ الْوَارِدُ عَلَى بَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ بَنَاتِ أَوْلَادِهِمَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَيَتَنَاوَلُ الْأُمَّ وَالْبِنْتَ بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ نَقُولُ: ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ، وَهُنَّ أَوْلَادُ الْجَدَّاتِ فَهُنَّ أَقْرَبُ مِنْ أَوْلَادِهِنَّ، وَكَذَا حَرَّمَ بَنَاتِ الْأَخِ فَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ أَقْرَبُ مِنْهُنَّ فَكُنَّ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَحْرِيمِ هَؤُلَاءِ تَعْظِيمُ الْقَرِيبِ وَصَوْنُهُ عَنْ الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْرَاشِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، وَتَعْظِيمُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا وَلِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ الْعِبَارَةُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ بِوَكِيلٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ حَتَّى تَنْتَقِلَ عِبَارَتُهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْوَكِيلُ مُزَوِّجًا لَا شَاهِدًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ) أَيْ أَوْ أَمَتِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمِمَّا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِ السَّيِّدِ يَظْهَرُ أَنَّ ثُبُوتَ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحُضُورِهِمَا مَعَ شَاهِدٍ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ السَّيِّدِ لَيْسَ فَكًّا لِلْحَجْرِ عَنْهُمَا فِي التَّزَوُّجِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَصَحَّ فِي مَسْأَلَةِ وَكِيلِهِ؛ وَلِذَا خَالَفَ فِي صِحَّتِهَا الْمَرْغِينَانِيُّ قَالَ وَقَالَ أُسْتَاذِي: فِيهِمَا رِوَايَتَانِ أَيْ فِي وَكِيلِ السَّيِّدِ وَالسَّيِّدِ اهـ.

[فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ]

(فَصْلٌ فِي الْمُحَرَّمَاتِ) الْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَبَّدَةُ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَبْعٌ بِالنَّسَبِ وَهُنَّ الْمَذْكُورَاتُ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: ٢٣] وَأَرْبَعٌ بِالصِّهْرِ وَهُنَّ أُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبُ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ وَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ فَهَذِهِ إحْدَى عَشْرَةَ وَمِثْلُهُنَّ بِالرَّضَاعِ، وَالْمُحَرَّمَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ سَبْعٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَتَزْوِيجُ الْخَامِسَةِ وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ وَتَزْوِيجُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ وَتَزْوِيجُ الْأَرْبَعِ فِي عِدَّةِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَكَذَا تَزْوِيجُ أُخْتِهَا وَأَمَةِ الرَّجُلِ إذَا كَاتَبَهَا وَالْمُشْرِكَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَذَا فِي الْمَنْثُورِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَهُنَّ فُرُوعُهُ) أَيْ وَهُمْ بَنَاتُهُ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ اهـ (قَوْلُهُ: وَأُصُولُهُ) أَيْ وَهُمْ أُمَّهَاتُهُ وَأُمَّهَاتُ أُمَّهَاتِهِ وَآبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفُرُوعُ أَبَوَيْهِ وَإِنْ نَزَلُوا) أَيْ فَتَحْرُمُ بَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ نَزَلْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا انْفَصَلُوا بِبَطْنٍ وَاحِدٍ) فَلِهَذَا تَحْرُمُ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَتَحِلُّ بَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فُرُوعُ نِسَائِهِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ) أَيْ وَإِنْ نَزَلْنَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأُصُولِهِنَّ) أَيْ وَإِنْ عَلَوْنَ اهـ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِالزَّوْجَاتِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَحْرُمُ مَوْطُوآتُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَمَوْطُوآتُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ بِزِنًا وَالْمَعْقُودُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: ٧] أَيْ أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ الْمُتَشَابِهُ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْتِهَا) لَفْظَةُ مِنْ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَقِيقَةً) لِأَنَّ الْأُمَّ عَلَى هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشَكَّكِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقُولُ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْجَدَّاتِ إلَخْ) وَفِي الْبَدَائِعِ اسْمُ الْأُمِّ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّةَ مَجَازًا وَلِهَذَا كَانَ مَنْ نَفَى ذَلِكَ صَادِقًا وَهُوَ مِمَّا تُعْلَمُ بِهِ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ إطْلَاقُ الْأُمِّ عَلَى الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ النَّصُّ الْجَدَّاتِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْأُمَّ مُرَادٌ بِهِ الْأَصْلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِرَادَتِهِ مَجَازًا فَتَدْخُلُ الْجَدَّاتُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْعُرْفِ لِإِرَادَةِ ذَلِكَ فِي النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِنَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْبِنْتِ عَلَى الْفَرْعِ حَقِيقَةً؛ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي حُرْمَةِ بَنَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرُ بَعْضِ الشُّرُوحِ ثُبُوتُهُ. اهـ. فَتْحٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>