لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو عَنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الْمُتَنَاكِحَيْنِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ جَرَيَانِ الْخُشُونَةِ بَيْنَهُمَا فَيُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ أَصْلًا فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا وَبِنْتِ أَخِيهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ)؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَيَدْخُلُ فِي النَّصِّ الْأَخَوَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ وَبَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ الْمُتَفَرِّقَاتُ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا حَقِيقَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأُمِّ امْرَأَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَتَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْأُمَّهَاتِ جَدَّاتُهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْأُمِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجَةِ لَا تَحْرُمُ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا، وَهُوَ مَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] ذَكَرَ أُمَّهَاتَ النِّسَاءِ وَعَطَفَ عَلَيْهِنَّ الرَّبَائِبَ ثُمَّ أَعْقَبَهُمَا ذِكْرُ الشَّرْطِ، وَهُوَ الدُّخُولُ فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الشُّرُوطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَتُقَيَّدُ حُرْمَتُهُمَا بِالدُّخُولِ
أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْمَوْصُولَ وَقَعَ صِفَةً لَهُمَا فَتَقَيَّدَا بِالدُّخُولِ، وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ وَهُوَ كَلَامٌ تَامٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الثَّانِي فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ إذْ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحَمْلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رُجُوعُهُ إلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَبْهِمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ - تَعَالَى - أَيْ أَطْلِقُوهُ، وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْآيَةُ مُبْهَمَةٌ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَقَوْلُهُمْ: يَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ قُلْنَا: ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَتَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهَا فَإِنَّك إذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْعَالِمُ تَقْتَصِرُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَذْكُورِ آخِرًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ صِفَةً لَهُمَا أَصْلًا لِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ الْإِضَافَةُ، وَفِي نِسَائِكُمْ حَرْفُ الْجَرِّ
وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُمَا لَمَا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَوْصُوفِ هُوَ الْعَامِلُ فِيهَا، وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ قَالَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِنْتِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ بِنْتِ امْرَأَتِهِ إنْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ فِيمَا تَلَوْنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحِجْرِ فِي النَّصِّ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ» الْمُرَادُ مَا طَعَنَتْ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الثَّانِيَةِ لَا أَنْ تَكُونَ أُمُّهَا لَبُونًا أَوْ مَخَاضًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْحِجْرِ لِلتَّشْنِيعِ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ قَبِيحِ فِعْلِهِمْ لَا لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: ٦] وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ اكْتَفَى فِي الْإِحْلَالِ بِنَفْيِ الدُّخُولِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] وَلَوْ كَانَ الْحِجْرُ شَرْطًا لَمَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الثَّانِي فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا لَكِنْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَهُنَا الْمَنْفِيُّ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّقًا بِهِمَا لَقِيلَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ أَوْ كَانَ يَنْفِي الِاثْنَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِكُمْ وَحَيْثُ اكْتَفَى بِنَفْيِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الْمَنَاطُ وَحْدُهُ وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ: لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ إلَّا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً وَقْتَ التَّزَوُّجِ وَجُعِلَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَكَلَّفَهَا وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ هِيَ الَّتِي فِي حِجْرِهِ دُونَ الْكَبِيرَةِ وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْقَطِيعَةِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِهِ أَوْ فِي حِجْرِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، وَاشْتِرَاطُ الْحِجْرِ مَذْكُورٌ فِي الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ فَانْتِفَاؤُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: وَرَبَائِبُكُمْ بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ وَالرَّبِيبِ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُنَّ بِخِلَافِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُنَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُنَّ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَامْرَأَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا يَدْخُلُ فِي الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ) أَيْ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ آبَاءٍ عَلَوْنَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ)؛ لِأَنَّهُنَّ أَخَوَاتُ أُمَّهَاتٍ عَلِيَّاتٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأُمُّ امْرَأَتِهِ) إذَا كَانَ نِكَاحُ الْبِنْتِ صَحِيحًا أَمَّا بِالْفَاسِدِ فَلَا تَحْرُمُ الْأُمُّ إلَّا إذَا وَطِئَ بِنْتَهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَمَالِكٌ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجِ لَا تَحْرُمُ إلَخْ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ مَالِكًا مَعَ الْجُمْهُورِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا) وَلَا تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا اهـ (قَوْلُهُ: فَيَنْصَرِفُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا) كَمَنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَشَرْطُ الدُّخُولِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا فَكَذَا هُنَا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمَوْصُولَ) وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا لَمَّا اخْتَلَفَ الْعَامِلُ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ لَاخْتَلَفَ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْأَصْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجْتَمِعُ الْعَامِلَانِ فِي مَعْمُولٍ وَاحِدٍ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْوَصْفُ الْوَاحِدُ لَا يَقَعُ عَلَى مَوْصُوفَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَبِنْتُهَا إنْ دَخَلَ بِهَا) فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ مَاتَتْ يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُ الْبِنْتِ وَفِيهِ خِلَافٌ زِيدَ. اهـ. مَبْسُوطٌ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي حَجْرِ غَيْرِهِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ حِينَئِذٍ إجْمَاعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ) أَيْ الدُّخُولِ وَكَوْنِ الرَّبِيبَةِ فِي الْحِجْرِ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ) أَيْ فَلِذَا جَازَ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا وَجَازَ لِلِابْنِ التَّزَوُّجُ بِأُمِّ زَوْجَةِ الْأَبِ وَبِنْتِهَا. اهـ. فَتْحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute