للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَزْعِهِ مِنْهُ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي لِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَصِيِّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَالِهِ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْمَدِينِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهِ تَضْيِيعًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَمُتَصَرِّفٌ فِي مَالِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَكُونُ قَبْضُهُ مُعْتَبَرًا وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ إذَا صَارَفَ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَ الصَّرْفِ حَيْثُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الصَّرْفِ مُعَلَّقٌ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْعَاقِدَيْنِ فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنَّمَا جَازَ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دَيْنٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِهِ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ حَيْثُ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الدَّيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إبْرَاؤُهُ فَكَذَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فَلَا تَقَعُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ كَانَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ أَبْرَآهُ مَعًا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْوَكِيلَ ضَمَانُهُ.

وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِلْكُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِبْرَاؤُهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ كَمَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي وَدَلِيلُ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ وَالْقَبْضَ خَالِصُ حَقِّ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ هُوَ بِالْإِبْرَاءِ مُمْتَنِعًا عَنْ الْقَبْضِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ بِقَبْضِهِ يَتَعَيَّنُ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَإِذَا انْسَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْبَابُ بِإِبْرَائِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَيَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ لِانْسِدَادِ بَابِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إبْرَاءُ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ فِيمَا بَاعَاهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ

[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ وَلَا يُمْكِنُ دَرْكُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَلَا وَالْجَهَالَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَهِيَ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ بُيِّنَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ مَا كَانَتْ فِي النَّوْعِ الْمَحْضِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَقَالَهُ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ» وَلِأَنَّ جَهَالَةَ النَّوْعِ لَا تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهَا بِصَرْفِ التَّوْكِيلِ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَنَّ عَامِّيًّا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَاشْتَرَى فَرَسًا يَصْلُحُ لِلْمُلُوكِ لَا يَلْزَمُهُ وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) (قَوْلُهُ: بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء) كَذَا تَرْجَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ عَقِبَهُ فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدَّمَ بَابَ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْوَابِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَكَالَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُثْبِتٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَالْبَيْعُ مُزِيلٌ لَهُ وَالثُّبُوتُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَكَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ اهـ

(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي حِمَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بَغْلًا، فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثِّيَابَ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا يُشْتَرَى مِثْلُهُ أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنْسٍ سَمَّاهُ مِنْ الثِّيَابِ، فَإِنْ سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، فَإِنْ وَصَفَ لَهُ صِفَةً وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْآمِر. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ تُمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ اهـ وَبِقَوْلِ بِشْرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ اهـ كَيْ.

(قَوْلُهُ: «وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ») وَجَعَلَ جَهَالَةَ النَّوْعِ عَفْوًا وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالنَّوْعِ يَسِيرٌ فَلَا يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ لَكِنْ تَنْصَرِفُ الْوَكَالَةُ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>