ذَهَبَ مَنْفَعَتُهُ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ جَمَالٌ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْجَمَالِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ أَعْتِبَارُهُمَا مَعَهَا، بَلْ يَكُونُ تَبَعًا لَهَا، فَيَكُونُ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ هِيَ الْمَنْفَعَةُ فَقَطْ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ، ثُمَّ إذَا انْفَرَدَ بِالْإِتْلَافِ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفْسِ فَلَا يَكُونُ لَهَا أَرْشٌ إذَا تَلِفَتْ مَعَهَا، وَإِذَا انْفَرَدَتْ بِالْإِتْلَافِ كَانَ لَهَا أَرْشٌ، وَمَنْ ضَرَبَ صُلْبَ رَجُلٍ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ جَمَالَ الْآدَمِيِّ فِي كَوْنِهِ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ، وَقِيلَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: ٤]، وَلَوْ زَالَتْ الْحَدَبَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِهَا لَا عَنْ أَثَرٍ، وَلَوْ بَقِيَ أَثَرُ الضَّرْبَةِ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِبَقَاءِ الشَّيْنِ بِبَقَاءِ أَثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ]
(فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) الشِّجَاجُ عَشَرَةٌ الْحَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ أَيْ شَقَّهُ فِي الدَّقِّ، وَالدَّامِعَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسَيِّلُهُ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدَّمْعِ فَسُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّمْعِ مِنْ الْمُقْلَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ عَيْنَهُ تَدْمَعُ بِسَبَبِ أَلَمٍ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهُ وَفِي الْمُحِيطِ الدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ الدَّمْعَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ دَمْعِ الْعَيْنَيْنِ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُسَيِّلُ الدَّمَ، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ هِيَ الَّتِي تُدْمِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَالدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ كَدَمْعِ الْعَيْنِ، وَمَنْ قَالَ إنَّ صَاحِبَهَا تَدْمَعُ عَيْنَاهُ مِنْ الْأَلَمِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَالْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَضْعِ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَمِنْهُ مِبْضَعُ الْفَصَّادِ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ فَتَقْطَعُهُ كُلَّهُ، ثُمَّ يَتَلَاحَمُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ يَلْتَئِمُ وَيَتَلَاصَقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا عَلَى مَا تَؤُولُ إلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ قَبْلَ الْبَاضِعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَلَاحِمَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ الْتَحَمَ الشَّيْئَانِ إذَا اتَّصَلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَالْمُتَلَاحِمَةُ مَا تُظْهِرُ اللَّحْمَ وَلَا تُقَطِّعُهُ وَالْبَاضِعَةُ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تُقَطِّعُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُتَلَاحِمَةُ تَعْمَلُ فِي قَطْعِ أَكْثَرِ اللَّحْمِ وَهِيَ بَعْدَ الْبَاضِعَةِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَلَاحِمَةُ أَيْ الْقَاطِعَةُ لِلَّحْمِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي وُجِدَ فِي الشِّجَاجِ رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا إلَى الْحُكْمِ وَالسِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى السِّمْحَاقِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَالْمُوضِحَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبَيِّنُهُ وَالْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تَنْقُلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ أَيْ تُحَوِّلُهُ وَالْآمَّةُ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَأُمُّ الدِّمَاغِ هِيَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً، فَيَكُونُ قَتْلًا وَلَا يَكُونُ مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامِ فِي الشِّجَاجِ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَارِصَةَ وَالدَّامِعَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَبْقَى لَهُمَا فِي الْغَالِبِ أَثَرٌ وَهَذِهِ الشِّجَاجُ تَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لُغَةً وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جِرَاحَةً فَهَذَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَا يَجِبُ بِالْجِرَاحَةِ مَا يَجِبُ بِالشَّجَّةِ مِنْ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنَّقْلِ وَهُوَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الشِّجَاجِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُ الْجِرَاحَةِ بِهَا دَلَالَةً وَلَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهَا فِي الشَّيْنِ؛ لِأَنَّ شِجَاجَ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يَظْهَرَانِ فِي الْغَالِبِ وَغَيْرُهُمَا مَسْتُورٌ غَالِبًا فَلَا يَظْهَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّحْيَيْنِ فَعِنْدَنَا هُمَا مِنْ الْوَجْهِ فَيَتَحَقَّقُ الشِّجَاجُ فِيهِمَا فَيَجِبُ فِيهِمَا مُوجِبُهَا خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ إنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاجَهَةَ لَا تَقَعُ بِهِمَا وَنَحْنُ نَقُولُ هُمَا يَتَّصِلَانِ بِالْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْمُوَاجَهَةِ فَصَارَا كَالذَّقَنِ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْتَهُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ يُفْتَرَضَ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْوَجْهِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُمَا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ هُنَا فَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ لِلْحَقِيقَةِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْمُوضِحَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ وَفِي الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ ثُلُثُهَا فَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ فَثُلُثَاهَا) لِمَا رُوِيَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ). (قَوْلُهُ: فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ الْمُقَدَّرُ بِهَا) أَيْ بِالشِّجَاجِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute