مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ بِخِلَافِ ثَدْيَيْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْإِرْضَاعِ وَإِمْسَاكِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِثَدْيِهَا حَلَمَةٌ يَتَعَذَّرُ عَلَى الصَّبِيِّ الِالْتِقَامُ عِنْدَ الِارْتِضَاعِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَجِبُ فِي الْحَاجِبَيْنِ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الشَّعْرِ، وَعِنْدَنَا يَجِبُ فِيهِمَا الدِّيَةُ لِتَفْوِيتِ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَرْبَاعًا فَهِيَ أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ فَفِيهَا الدِّيَةُ إذَا قَلَعَهَا وَلَمْ تَنْبُتْ وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجَمَالُ عَلَى الْكَمَالِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا دَفْعُ الْأَذَى وَالْقَذَى مِنْ الْعَيْنِ وَتَفْوِيتُ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْبَصَرَ وَيُورِثُ الْعَمَى، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْكُلِّ الدِّيَةُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَجَبَ فِي الْوَاحِدِ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الِاثْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفَ الْعَيْنَيْنِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْأَهْدَابَ وَسَمَّاهَا أَشْفَارًا تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَمِثْلُهُ سَائِغٌ لُغَةً كَمَا يُقَالُ سَالَ الْمِيزَابُ وَسَالَ الْوَادِي وَهُوَ لَا يَسِيلُ وَإِنَّمَا الْمَاءُ هُوَ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَشْفَارِ الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً إذَا لَمْ تَنْبُتْ فَأَرَادَ بِهِ الشَّعْرَ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ هُوَ الَّذِي يَنْبُتُ دُونَ الْجُفُونِ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّعْرِ وَمَنَابِتِهِ دِيَةً كَامِلَةً فَلَا يَخْتَلُّ الْمَعْنَى، وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ مَعَ الْجُفُونِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ، وَأَمَّا مَا يَكُونُ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَعْشَارًا كَالْأَصَابِعِ فَفِي قَطْعِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ كُلُّ الدِّيَةِ وَفِي قَطْعِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عُشْرُ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ»؛ وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ الْكُلِّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ أَوْ الْبَطْشِ وَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَهِيَ عَشَرَةٌ فَتُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَيْهَا وَالْأَصَابِعُ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ فِيهَا كَالْأَسْنَانِ وَالْيَدِ الْيُمْنَى مَعَ الْيُسْرَى وَكُلُّ أُصْبُعٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَفَاصِلَ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثَهَا وَمَا فِيهَا مِفْصَلَانِ كَالْإِبْهَامِ فَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ؛ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْأُصْبُعِ وَنِصْفُهَا لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ، وَأَمَّا مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَالْأَسْنَانُ فَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَهِيَ كُلُّهَا سَوَاءٌ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَالْأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الْكُلَّ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ سَوَاءٌ فَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِيهِ كَالْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ وَلَئِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ فَفِي الْآخَرِ زِيَادَةُ الْجَمَالِ فَاسْتَوَيَا فَتُزَادُ دِيَةُ هَذَا الطَّرَفِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ بِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا عِشْرُونَ ضِرْسًا وَأَرْبَعَةُ أَنْيَابٍ وَأَرْبَعُ ثَنَايَا وَأَرْبَعُ ضَوَاحِكَ، فَإِذَا وَجَبَ فِي الْوَاحِدَةِ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ يَجِبُ فِي الْكُلِّ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ هَذَا إذَا كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُلُّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ فَفِيهِ دِيَةٌ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا) أَيْ إذَا ضَرَبَ عُضْوًا فَذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِهِ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ كَمَا إذَا ضَرَبَ يَدَهُ فَشُلَّتْ بِهِ أَوْ عَيْنَهُ فَذَهَبَ ضَوْءُهَا بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا زَالَتْ مَنْفَعَتُهُ كُلُّهَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ كُلُّهُ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِدُونِ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الْأَرْشِ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عِنْدَ الْإِتْلَافِ بِأَنْ أَتْلَفَ عُضْوًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَنْبُتْ) ضَبَطَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْ الْإِنْبَاتِ أَيْ إذَا لَمْ تَنْبُتُ الْأَشْفَارُ الْأَهْدَابُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سِنٍّ رُبْعُ ثُمْنِ الدِّيَةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْعُشْرِ فَيَخْطِرُ بِبَالِي أَنَّ عَدَدَ الْأَسْنَانِ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سِنًّا فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ أَسْنَانُ الْحُلُمِ قَدْ لَا تَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ، وَقَدْ يَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ بَعْضُهَا وَلِلْبَعْضِ كُلُّهَا فَالْعَدَدُ الْأَوْسَطُ لِلْأَسْنَانِ ثَلَاثُونَ، ثُمَّ لِلْأَسْنَانِ مَنْفَعَتَانِ الزِّينَةُ وَالْمَضْغُ فَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ تَبْطُلُ مَنْفَعَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ الزِّينَةُ بَاقِيًا، وَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْأَوْسَطُ ثَلَاثِينَ فَمَنْفَعَةُ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الْأُخْرَى الَّتِي تُقَابِلُهَا سُدُسُ الْعُشْرِ وَمَجْمُوعُهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ اهـ. شَرْحُ وِقَايَةٍ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ قَاسِمٌ فِي كِتَابِ التَّصْحِيحِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْأَسْنَانِ كُلِّهَا دِيَةً وَاحِدَةً كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا حَتَّى سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ كُلُّهَا وَهِيَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ كَانَ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثَا الدِّيَةِ ثُلُثٌ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَثُلُثٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ اهـ، وَذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ وَالْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ، وَقَالَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَأَسْنَانُ الْكَوْسَجِ قَالُوا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ جَارٍ عَلَى الْقِيَاسِ فِي الْأَعْضَاءِ إلَّا أَنَّ الْمَرْجِعَ النَّصُّ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute