للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ مَلَكَ عَبْدًا لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْلِكُهُ يَتَنَاوَلُ الْحَالَ وَهُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا مَا يَمْلِكُهُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكٍ قَابِلٍ لَهُ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الظَّاهِرِ.

وَهُوَ مَا قَبْلَ الْعِتْقِ كَمَا إذَا قَالَ لِلْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ فِي هَذَا النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ تَنَاقُضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِوَايَتَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ وَكَيْفَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْجَوَابِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مُدَّتِهِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ يَصْلُحُ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُهُ غَيْرَ أَنَّهَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مَحْضٌ وَلَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَتَّى يُمَلِّكَهُ شَيْئًا وَلَا يُقَالُ الْوَصِيَّةُ شَرْطُهَا الْقَبُولُ وَالْجَنِينُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَصِيَّةُ تُشْبِهُ الْهِبَةَ وَتُشْبِهُ الْمِيرَاثَ فَلِشَبَهِهَا بِالْهِبَةِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ إذَا أَمْكَنَ وَلِشَبَهِهَا بِالْمِيرَاثِ يَسْقُطُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى بِالْحَمْلِ فَلِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ فَتَجْرِي فِيهِ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ ثُمَّ شَرَطَ فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يُولَدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِيهِمَا، مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَيْ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يَعْتَبِرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يَعْتَبِرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ مِنْ شَرْطِهَا الْقَبُولُ وَالْقَبْضُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَنِينِ وَلَا يَلِي عَلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَقْبِضَ عَنْهُ فَصَارَ كَالْبَيْعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَوْصَى بِأَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ)؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْجَارِيَةِ لَفْظًا، وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِطْلَاقِ تَبَعًا فَإِذَا أَفْرَدَ الْأُمَّ بِالْوَصِيَّةِ صَحَّ إفْرَادُهُ، وَلِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ إذْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ.

[الرُّجُوع عَنْ الْوَصِيَّة]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَوْلًا وَفِعْلًا بِأَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ)؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْقَبُولِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الرُّجُوعُ قَدْ يَثْبُتُ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ قَوْلًا وَقَدْ يَثْبُتُ دَلَالَةً بِأَنْ يَفْعَلَ بِالشَّيْءِ الْمُوصَى بِهِ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَفِعْلًا بِأَنْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، وَنَظِيرُهُ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الشِّرَاءُ بِهِ فَإِنَّ الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ تَكُونُ بِالصَّرِيحِ وَبِالدَّلَالَةِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي بِالْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا كَانَ رُجُوعًا.

كَمَا إذَا اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ الصُّفْرَ آنِيَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثَّرَ فِي قَطْعِ مِلْكِ الْمَالِكِ فَلَأَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَنْعِ أَوْلَى.

وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إلَّا بِهِ فَهُوَ رُجُوعٌ إذَا فَعَلَهُ فِيهِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ الْمِلْكِ فَهُوَ رُجُوعٌ، وَكَذَا إذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى بِثَوْبٍ ثُمَّ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ أَوْ بِقُطْنٍ ثُمَّ غَزَلَهُ أَوْ بِغَزْلٍ فَنَسَجَهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ إذَا وَجَدَ ذَلِكَ مِنْ الْغَاصِبِ فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَدَّلَ اسْمُهُ وَصَارَ عَيْنًا آخَرَ غَيْرَ الْمُوصَى بِهِ، وَكَذَا أَوْصَى بِسَوِيقٍ فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ بِدَارٍ فَبَنَى فِيهَا أَوْ بِقُطْنٍ فَحَشَا بِهِ أَوْ بِبِطَانَةٍ فَبَطَّنَ بِهَا أَوْ بِظِهَارَةٍ فَظَهَّرَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ.

؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ وَحْدَهُ لِلِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا أَوْ وَهَبَهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ لَا تَعُودُ الْوَصِيَّةُ وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا اسْتِهْلَاكٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ وَصِيَّة الْمُكَاتَب]

(قَوْلُهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ إلَخْ) لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ وَضْعَ الْوَصِيَّةِ لِلِاسْتِقْبَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ اهـ.

[الْوَصِيَّة لِلْحَمْلِ]

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وَلَدَتْ إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ زَوْجُ الْحَامِلِ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَالشَّرْطُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَهُوَ حَيٌّ وَإِنْ أَتَتْ بِهِ مَيِّتًا لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهُ إذَا أَتَتْ بِهِ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ يَثْبُتُ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ حُكْمًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا بِاعْتِبَارِ الْعُلُوقِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِوُجُودِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ بَعْدَ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَيًّا فَوَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ مَوْتِ الْمُوصِي لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْوَطْءَ إذَا كَانَ حَلَالًا وَالزَّوْجُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَإِذَا أُحِيلَ بِالْعُلُوقِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِ الْحَبَلِ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي إلَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ يُحَالُ بِالْعُلُوقِ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ. اهـ. مُحِيطٌ.

(قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِسَوِيقٍ) فِي الْهِدَايَةِ جَعَلَ هَذَا نَظِيرَ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ وَجَعَلَ فِي الْكِفَايَةِ هَذَا نَظِيرَ الْخَلْطِ بِغَيْرِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا اسْتِهْلَاكٌ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الشَّاةَ بِالذَّبْحِ فَقَطْ وَجَعَلَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الرُّجُوعِ دَلَالَةَ مَا إذَا نَقَصَ الْمُوصِي الْمُوصَى بِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ هَيْئَةِ الِادِّخَارِ وَالْبَقَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>