للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَعَلَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ نَصِيبَهُ لِبَعْضٍ لَا يَصِحُّ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ لِإِعْرَاضِهِ وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِينَ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ حَاضِرًا وَالْآخَرُ غَائِبًا فَطَلَبَ الْحَاضِرُ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ عَلَى حِسَابِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي النِّصْفِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَالْقِسْمَةُ لِلْمُزَاحَمَةِ فَإِذَا تُرِكَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وُجِدَ الْإِعْرَاضُ فِيهِ فَسَقَطَ فِي الْكُلِّ لِكَوْنِهِ لَا يَتَجَزَّأُ، وَكَذَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَطَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُمَا، وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ بَطَلَ حَقُّ مَنْ طَلَبَ النِّصْفَ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْبَيْعِ تَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلْخَلِيطِ مَعْنَاهُ تَجِبُ لَهُ الشُّفْعَةُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَيْ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالشَّرْطُ رَغْبَةُ الْمَالِكِ عَنْهَا حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا، وَقِيلَ الْبَيْعُ هُوَ السَّبَبُ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الشِّرَاءِ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ الِاتِّصَالَ لَصَحَّ لِكَوْنِهِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ.

وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ قَبْلَهُ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتَسْتَقِرُّ بِالْإِشْهَادِ)؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلِاسْتِقْرَارِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا سُمِعَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا»، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ»؛ وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا بِذَلِكَ تُعْلَمُ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ طَلَبِهِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْإِشْهَادِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي) أَيْ تُمْلَكُ الدَّارُ الْمَشْفُوعَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَمَّ بِالشِّرَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى الشَّفِيعِ إلَّا بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً فَيَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فِي ضِمْنِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَوِلَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَوْقَ وِلَايَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ الْهِبَةُ لَمَّا تَمَّ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ إلَّا أَنَّ أَخْذَ الشُّفْعَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَحْوَطُ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَخْذِ إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي لَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّ فِي الْقَضَاءِ زِيَادَةَ فَائِدَةٍ، وَهِيَ صَيْرُورَةُ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَتَبَيَّنَ سَبَبُ مِلْكِهِ لَهُ فَإِذَا كَانَتْ الْمَشْفُوعَةُ تُمْلَكُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَبْلَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا تُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ إذَا بَاعَ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا، وَلَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّهَا بِالشُّفْعَةِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ ثُمَّ عَلَى الْبَائِعِ لَوْ فِي يَدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ فَهَذَانِ طَلَبَانِ فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَالثَّانِي طَلَبُ التَّقْرِيرِ، وَفِيهِ طَلَبٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ طَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ فَلِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عَلِمَ عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وَلَا سُكُوتٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ يَدُلُّ عَلَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا أَقَرَّ بِالْبَيْعِ) أَيْ وَجَحَدَ الْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَالشُّفْعَةُ تَجِبُ بِرَغْبَةِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ مِنْ زَيْدٍ فَجَحَدَ زَيْدٌ ذَلِكَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ سَبَبُ الشُّفْعَةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الدَّارَ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ أَوْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ أَثْبَتَ شُفْعَتَهُ بِطَلَبَيْنِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ التَّقْرِيرِ حَتَّى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ كَرْمًا فَأَكَلَ الْمُشْتَرِي ثِمَارَهُ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَلَا يُطْرَحُ عَنْ الشَّفِيعِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثِمَارِهِ إذَا كَانَتْ الثِّمَارُ حَدَثَتْ بَعْدَ مَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْكَرْمَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَمْلِكُ بِالْأَخْذِ لَا بِالطَّلَبِ عَلَى الِانْفِرَادِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. .

[بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ]

(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ) (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ عَلَى الطَّلَبِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ أَيْ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ قَالَ الْكَاكِيُّ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا شَرَطَ هَذَا الطَّلَبَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْرِضٍ عَنْ الشُّفْعَةِ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْحَلِفُ حِينَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي حَلِفَهُ أَنَّهُ طَلَبَهَا كَمَا سَمِعَ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْإِشْهَادَ عِنْدَ الطَّلَبِ لَا؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ هَذَا الطَّلَبِ بَلْ لِاعْتِبَارِ ثُبُوتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ إنْكَارِهِ الطَّلَبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ) وَسُمِّيَ الطَّلَبُ الْأَوَّلُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا» أَيْ طَلَبَهَا عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ، وَالْمُبَادَرَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْوُثُوبِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَثِبُ هُوَ الَّذِي يُسْرِعُ فِي طَيِّ الْأَرْضِ بِمَشْيِهِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَطْلُبَ كَمَا عُلِمَ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَفِي كِتَابِ الْأَجْنَاسِ نُقِلَ عَنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ لِمُوسَى بْنِ نَصْرٍ صَاحِبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَحْتَاجُ الشَّفِيعُ أَنْ يَطْلُبَهَا سَاعَةَ بَلَغَهُ الْبَيْعُ وَيَتَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ بِالطَّلَبِ حَضَرَهُ الشُّهُودُ أَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ مِنْ قَوْلِ نَفْسِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالطَّلَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ. اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>