للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَلْزَمُهُ لِعَدَمِ التَّحْكِيمِ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ إلَيْهِ حُكْمَ حَاكِمٍ حَيْثُ لَا يُبْطِلُهُ، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً؛ لِأَنَّ مُقَلِّدَهُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً فَكَانَ نَائِبُهُ لَهُ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ، فَلَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ نَقْضِهِ كَحُكْمِ الْإِمَامِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ لِأَنَّهُ بِاصْطِلَاحِ الْخَصْمَيْنِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ حُكْمُهُ بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا فِي الْمُجْتَهَدَاتِ حَتَّى كَانَ لَهُ نَقْضُ اصْطِلَاحِهِمَا إذَا رَأَى خِلَافَ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا، وَهَذَا لِأَنَّهُ أَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حَتَّى اشْتَرَطَ فِيهِ شَرَائِطَ الْقَضَاءِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَلَّى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا.

وَلَوْ أَخْبَرَ هَذَا الْمُحَكَّمُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ، وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ لِانْقِضَاءِ الْوِلَايَةِ هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُحَكَّمُ بَيْنَهُمَا لِأَحَدِهِمَا قَدْ أَقْرَرْت عِنْدِي لِهَذَا بِكَذَا وَكَذَا أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْك بِكَذَا وَكَذَا فَعَدَلُوا، وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت عَلَيْك بِهِ لِهَذَا وَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّهُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ نَفَذَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَكَّمَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ كَالْقَاضِي الْمُوَلَّى إذَا قَالَ فِي حَالِ قَضَائِهِ لِإِنْسَانٍ قَضَيْت عَلَيْك لِهَذَا بِإِقْرَارِك أَوْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ عِنْدِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ حَكَّمَا رَجُلًا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، وَقَالَا لَمْ تَحْكُمْ بَيْنَنَا، وَقَالَ الْحَكَمُ حَكَمْتُ فَالْحُكْمُ مُصَدَّقٌ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَكَى مَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَيَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ وَجَعَلَ إقْرَارَهُ كَإِنْشَاءِ الْحُكْمِ، وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِهِ، وَقَالَ فِيهِ الْمُحَكَّمُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ الْحُكُومَةِ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا بِالْعَزْلِ أَوْ بِانْتِهَاءِ الْحُكُومَةِ نِهَايَتِهَا بِأَنْ كَانَ مُؤَقَّتًا فَمَضَى الْوَقْتُ أَوْ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ بِأَنْ عَمِيَ أَوْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلَوْ غَابَ أَوَأُغْمِيَ عَلَيْهِ وَبَرِئَ مِنْهُ أَوْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ حُبِسَ كَانَ عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُبْطِلُ الشَّهَادَةَ، فَلَا تُبْطِلُ الْحُكُومَةَ.

وَكَذَا لَوْ وَلِيَ الْقَضَاءَ، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهُ فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَزْلَ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِينَ وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْ جِهَةِ الْوَالِي وَوِلَايَةُ الْحُكُومَةِ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُحَكِّمِينَ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَالِي، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بَيْنَهُمَا فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَكَانَ لَهُ الْحُكُومَةُ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا، وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ جَازَ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ كَحُكْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ) أَيْ يَبْطُلُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ لِهَؤُلَاءِ كَمَا يَبْطُلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِحُكْمِهِ لَهُمْ فَيَبْطُلُ دُونَ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ لِأَبِي امْرَأَتِهِ وَأُمِّهَا، وَكَذَا لِامْرَأَةِ ابْنِهِ أَوْ لِزَوْجِ ابْنَتِهِ إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْحَيَاةِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُمْ قَضَاءٌ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَوَارَثُونَ جَازَ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ وَالْأَعْمَامِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُمْ جَائِزَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَهُوَ حَسْبِي وَنَعَمْ الْوَكِيلِ.

(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا يَتِدُ ذُو سُفْلٍ فِيهِ، وَلَا يَنْقُبُ كَوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ سُفْلٌ وَلِآخَرَ عُلُوٌّ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا، وَلَا يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا أَوْ يَضَعَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ قَائِمَةٌ وَإِنْ أَخْبَرَ بِالْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهُمَا عَلَى تَحْكِيمِهِمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْ قَوْلُ الْمُحَكَّمِ ذَكَرَهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي إذَا قَالَ الْحَكَمُ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ قَدْ أَقْرَرْتَ عِنْدِي بِكَذَا أَوْ قَالَ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْك وَأَلْزَمْتُك بِالْحُكْمِ وَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ فَالْحُكْمُ مَاضٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُنْفِذَ التَّحْكِيمَ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَالْمَجْلِسُ بَاقٍ، فَإِذَا قَالَ حَكَمْت صُدِّقَ وَإِنْ قَالَ الْحَكَمُ كُنْت حَكَمْت بِكَذَا لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ صَارَ مَعْزُولًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَعْزُولِ أَنِّي حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِكَذَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ صَارَ قَضَاؤُهُ كَالْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ إذَا قَالَ قَضَيْت بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ كَذَا هَذَا هـ.

(قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ يَجُزْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي فَصْلِ مَنْ يُجَوِّزُ قَضَاءَ الْقَاضِي لَهُ وَيُجَوِّزُ قَضَاءَ الْقَاضِي لِأُمِّ امْرَأَتِهِ بَعْدَ مَا مَاتَتْ وَلَا يَجُوزُ إنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حَيَّةً، وَكَذَا لَوْ قَضَى لِامْرَأَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَا مَاتَ الْأَبُ جَازَ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فِي الْأَحْيَاءِ لَا يَجُوزُ. اهـ. .

[بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى]

[أَرَادَ صَاحِب الْعُلُوّ أَنْ يَبْنِي عَلَى الْعُلُوّ بيتا]

(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى) (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا يَتِدُ) وَتَدَ الْوَتَدَ يَتِدُهُ إذَا ضَرَبَهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَنْقُبُ كَوَّةً) بِفَتْحِ الْكَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلْوِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ) وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ سُفْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ صَاحِبِ الْعُلْوِ فِي سُكْنَاهُ الْعُلْوَ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>