للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَةٍ لِي أَوْ قَالَ مَا أَنَا زَوْجٌ لَكِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ وَالْبَائِنَ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّرِيحُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شُرِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَقَدْ زَالَ بِالْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ وَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩] يَعْنِي الْخُلْعَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ»، وَلِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ لِبَقَاءِ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا فَاتَ الِاسْتِمْتَاعُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَحَلِّ كَفَوَاتِهِ بِالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ لَا الْبَائِنَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ) ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَطْلُقُ أَمَّا كَوْنُ الْبَائِنِ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ. وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْتُ بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتَ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مُعَلِّقًا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ يَقَعُ الْمُعَلَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْخُلْعِ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ بَائِنٌ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقًا. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ مَا كَانَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ حَتَّى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ الْبَائِنَةَ لَا يَلْحَقُهَا شَيْءٌ مِنْ الْكِنَايَاتِ عِنْدَنَا إلَّا مَا يَقَعُ بِهِ الرَّجْعِيُّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا يَصْلُحُ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْإِبَانَةِ مَنْ قَامَ بِهِ الِاتِّصَالُ؛ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ لِقَطْعِ الْوَصْلَةِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْإِبَانَةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَلْغُو قَوْلُهُ بَائِنٌ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَ أَبَنْتُك بِتَطْلِيقَةٍ يَلْغُو أَبَنْتُك لِمَا تَقَدَّمَ وَيَبْقَى قَوْلُهُ بِتَطْلِيقَةٍ فَلَا يَقَعُ اهـ ق قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْبَائِنِ الَّذِي لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ أَيْ فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ لَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ بَائِنٌ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا إلَّا إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَانِيًا أَنْتِ بَائِنٌ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ فَحِينَئِذٍ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. اهـ. (فَرْعٌ) ذَكَرَ صَاحِبُ الْفَوَائِدِ أَنَّ الثَّلَاثَ هَلْ تَلْحَقُ الْبَائِنَ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْوُقُوعَ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ قَالَ وَتَتَبَّعْتُ الْمَسْأَلَةَ فَلَمْ أَجِدْهَا مَنْقُولَةً ثُمَّ نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ اهـ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مَا نَصُّهُ فِي خُلَاصَةِ الْعُزَّى خَالَعَهَا بِمَالٍ ثُمَّ خَالَعَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ طَلَّقَهَا بِمَالٍ بَعْدَ الْخُلْعِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَالْخُلْعُ وَالطَّلَاقُ بِمَالٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ يَصِحُّ وَيَجِبُ الْمَالُ فَإِنْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ بَائِنًا اسْتَرَدَّتْ الْمَالَ. اهـ. .

[بَاب تفويض الطَّلَاق]

(بَابُ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الِاخْتِيَارِ عَلَى فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْمَشِيئَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُؤَيَّدٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الطَّلَاقِ بِوِلَايَةِ الْمُطَلِّقِ نَفْسَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِهِ بِوِلَايَةٍ مُسْتَفَادَةٍ مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْتَ هَذَا الصِّنْفِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ التَّفْوِيضُ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ وَبِلَفْظِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبِلَفْظِ الْمَشِيئَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ) يَعْنِي يَنْوِي تَخْيِيرَهَا فِيهِ أَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ إذَا قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا قَالَ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت يَقَعُ الطَّلَاقُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الرِّوَايَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيَّ اشْتَرَطَ النِّيَّةَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَكَذَا صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يَشْتَرِطُ النِّيَّةَ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَاخْتَارَتْ فِي مَجْلِسِهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ، وَقَالَ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ فِي الرَّجُلِ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ فَإِذَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا وَقَدْ صَحَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ وَغَيْرِهِمَا مُسْنَدًا إلَى مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَلَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ لَا يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى. اهـ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>