للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْنُونَةُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا كِنَايَاتٌ عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا لَا عَمَلَ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَتَسْمِيَتُهَا كِنَايَاتٍ مَجَازٌ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ فَإِذَا تَعَيَّنَتْ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ أَيْضًا مُتَنَوِّعَةٌ بَيْنَ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ فَاشْتُرِطَتْ النِّيَّةُ لِتَعْيِينِ إحْدَى الْبَيْنُونَتَيْنِ لَا لِتَعْيِينِ الْمَكْنِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَعْمَلُ بِمُوجِبَاتِهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا يَقَعُ لِلِاحْتِمَالِ وَعِنْدَ وُجُودِهَا يَقَعُ الْأَقَلُّ مَا لَمْ يَنْوِ الْأَكْثَرَ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ وَانْتِقَاصُ الْعَدَدِ ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِمَا بَقِيَ حَيْضًا صُدِّقَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِمَا بَقِيَ شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ بِالِاعْتِدَادِ عَادَةً بَعْدَ الطَّلَاقِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأُولَى الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَتَانِ لِلطَّلَاقِ بِهَذِهِ الدَّلَالَةِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ نَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَيَيْنِ حَيْثُ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ عِنْدَ الْأُولَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا إذَا نَوَى بِالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ دُونَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ يَقَعُ ثِنْتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ الثَّانِيَةِ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَتْ الثَّالِثَةُ لَهُ

وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْكُلِّ شَيْئًا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَثَانِيهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ الطَّلَاقَ بِالْأُولَى لَا غَيْرُ أَوْ قَالَ نَوَيْته بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا أَوْ قَالَ نَوَيْت بِكُلِّهَا الطَّلَاقَ فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَسَادِسُهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ الْحَيْضَ يُدَيَّنُ قَضَاءً فَتَقَعُ وَاحِدَةً وَسَابِعُهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الطَّلَاقَ وَبِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ فَهُوَ كَمَا قَالَ يَقَعُ ثِنْتَانِ: وَثَامِنُهَا وَتَاسِعُهَا: أَنْ يَقُولَ نَوَيْتُ بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الْحَيْضَ أَوْ يَقُولَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَبِالثَّانِيَةِ الْحَيْضَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّالِثَةِ شَيْئًا يَقَعُ فِيهِمَا ثِنْتَانِ وَعَاشِرُهَا: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ شَيْئًا وَنَوَيْت بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّانِيَةِ طَلَاقًا وَبِالثَّالِثَةِ حَيْضًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي عَشَرَ: أَنْ يَقُولَ لَمْ أَنْوِ بِالْأُولَى شَيْئًا وَنَوَيْتُ بِالثَّالِثَةِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالثَّانِيَةِ شَيْئًا فَهِيَ ثِنْتَانِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ يُنْظَرُ فَإِنْ نَوَى بِمَا بَعْدَهَا الْحَيْضَ صُدِّقَ قَضَاءً وَإِلَّا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ بِهِنَّ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَمَا قَالَ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِهِ التَّكْرَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَإِنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ إلَّا الظَّاهِرَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ إنَّمَا يُصَدَّقُ مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْإِخْبَارِ عَمَّا فِي ضَمِيرِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَطْلُقُ بِلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ إنْ نَوَى طَلَاقًا) يَعْنِي تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ لَهَا لَسْتِ أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ قَالَ لَسْت أَنَا زَوْجَك إذَا نَوَى بِهِ طَلَاقًا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ يَكُونُ كَذِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَصْلُحُ إنْكَارًا لِلنِّكَاحِ وَتَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُكِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنِّي مَا تَزَوَّجْتُك فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَمَسْأَلَةُ الْحَلِفِ مَمْنُوعَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَنَقُولُ بِدَلَالَةِ الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ فِي الْمَاضِي لَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي شَيْءٍ يَدْخُلُ فِيهِ الشَّكُّ وَذَلِكَ يَسْتَقِيمُ فِي الْإِخْبَارِ لَا فِي الْإِنْشَاءِ. وَقَوْلُهُ لَمْ أَتَزَوَّجْك جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ. وَقَوْلُهُ لَا عِنْدَ السُّؤَالِ أَلَك امْرَأَةٌ عُلِمَ بِدَلَالَةِ السُّؤَالِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ نَفْسِهَا إلَخْ) إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا كِنَايَاتٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ زَوَالِ وَصْلَةِ النِّكَاحِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ. اهـ. .

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ) أَيْ بِاللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَنَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ بِالْأُولَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ) أَيْ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت بِالْأُولَى الطَّلَاقَ وَلَمْ أَنْوِ بِالْبَاقِيَتَيْنِ طَلَاقًا وَلَا حَيْضًا لَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ قَالَ نَوَيْت إلَخْ) وَهَذِهِ صُورَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصُّوَرِ الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا أَفْرَدَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَذِهِ قَضَاءً بِخِلَافِ تِلْكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ لَسْتُ لَكِ بِزَوْجٍ) وَفِي فَتَاوَى صَاحِبِ النَّافِعِ إذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَسْتَ لِي بِزَوْجٍ فَقَالَ صَدَقْتِ يَنْوِي طَلَاقَهَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قَالَ لَسْت أَوْ مَا أَنْتِ امْرَأَتِي أَوْ لَسْت أَوْ مَا أَنَا زَوْجُك عِنْدَهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ وَأَلْغَيَاهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ أَوْ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا) هَذَا الْفَرْعُ نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ وَقَدْ نُقِلَتْ عِبَارَتُهُ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ لَسْت امْرَأَتِي فَلْيُنْظَرْ هُنَاكَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ) أَيْ لَا يَقَعُ كَذَا هُنَا. اهـ. فَتْحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>