للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَدْخَلَهُ فِي كُمِّهِ أَوْ رَبَطَهُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَهُ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ قَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ الِاسْتِرَاحَةَ بِالْمَشْيِ وَالْقُعُودِ لِاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَافِظًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ» لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّاعِي الرَّعْيُ دُونَ الْحِفْظِ وَهُوَ تَبَعٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا عَلَيْهِ وَهُوَ رِدَاؤُهُ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ طَرَفَ مِنْطَقَتِهِ أَوْ سَيْفَهُ أَوْ سَرَقَ مِنْ امْرَأَةٍ حُلِيًّا عَلَيْهَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهَا خِلْسَةٌ وَلَيْسَتْ بِخُفْيَةِ سَرِقَةٍ وَلَوْ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ نَائِمٍ قِلَادَةً عَلَيْهِ وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ مُلَاءَةً وَهُوَ لَابِسُهَا أَوْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا لَهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا خُفْيَةً وَسِرًّا وَلَهُ حَافِظٌ وَهُوَ النَّائِمُ وَأَمَّا إذَا سَرَقَ مِنْ قِطَارٍ بَعِيرًا أَوْ حَمَلًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ مَقْصُودٍ فَتُمْكِنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ السَّائِقَ أَوْ الرَّاكِبَ يَقْصِدُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَنَقْلَ الْأَمْتِعَةِ دُونَ الْحِفْظِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَهَا مَنْ يَحْفَظُهَا يُقْطَعُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ شَقَّ الْحَمْلُ فَأَخَذَ مِنْهُ أَوْ سَرَقَ جُوَالِقًا فِيهِ مَتَاعٌ وَرَبُّهُ يَحْفَظُهُ أَوْ نَائِمٌ عَلَيْهِ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقٍ أَوْ فِي جَيْبِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ فَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ وَالنَّوْمِ بِقُرْبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَافِظًا لَهُ كَالنَّوْمِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ]

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ) لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَجَازَ التَّقْيِيدُ بِهَا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ تُقْطَعُ الْأَصَابِعُ فَقَطْ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ تُقْطَعُ الْيَمِينُ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِكُلِّهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ» وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَطَعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَطَعَ مِنْ الرُّسْغِ فَصَارَ إجْمَاعًا فِعْلًا فَلَا يَجُوزُ خِلَافُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتُحْسَمُ) أَيْ تُكْوَى كَيْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ مَنَافِذَ الدَّمِ تَنْسَدُّ بِالْكَيِّ فَيَنْقَطِعُ بِهِ فَلَوْ لَمْ يُكْوَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ) وَحَرِيسَةُ الْجَبَلِ هِيَ الشَّاةُ الْمَسْرُوقَةُ مِمَّا يُحْرَسُ فِي الْجَبَلِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلسَّارِقِ حَارِسٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْكِيسُ وَفِي التَّكْمِلَةِ حَرَسَنِي شَاةً أَيْ سَرَقَهَا حَرَسِي اهـ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ أَوْ سَيْفِهِ) أَيْ وَهُوَ مُسْتَيْقِظٌ غَيْرُ غَافِلٍ اهـ.

(فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَطْعِ وَإِثْبَاتِهِ) ظَاهِرُ تَرْتِيبِهِ عَلَى بَيَانِ نَفْسِ السَّرِقَةِ وَتَفَاصِيلِ الْمَالِ وَالْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُكْمُ سَرِقَةِ الْمَالِ الْخَاصِّ مِنْ الْحِرْزِ فَيَتَعَقَّبُهُ فَالْقَطْعُ لِمَا تَلَوْنَا مِنْ قَبْلُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَالْمَعْنَى يَدَيْهِمَا وَحُكْمُ اللُّغَةِ أَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْ الْخَلْقِ إلَى اثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ أَنْ يُجْمَعَ، مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] وَقَدْ يُثَنَّى وَقَالَ ظَهْرَاهُمَا مِثْلُ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ وَالْأَفْصَحُ الْجَمْعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ الزَّنْدِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ الزَّنْدُ مَوْصِلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ فِي الْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ الْكُوعُ وَالْكُرْسُوعُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْكُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْكُرْسُوعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْخِنْصَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيَمِينُ فَبِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فَكَانَ خَبَرًا مَشْهُورًا فَيُقَيِّدُ إطْلَاقَ النَّصِّ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُجْمَلِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَمِينَ» وَكَذَا الصَّحَابَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ اهـ وَقَوْلُهُ فَهَذَا مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ إلَخْ فِيهِ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قُلْت الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نُسِخَ عِنْدَنَا فَلِذَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ جَازَتْ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ وَقِرَاءَتُهُ كَانَتْ مَشْهُورَةً إلَى زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالزِّيَادَةُ بِالْمَشْهُورِ جَائِزَةٌ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ فَنَقُولُ خَبَرُ الْوَاحِدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ وَفِي حَقِّ الْيَمِينِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الشِّمَالِ فَالْتَحَقَتْ قِرَاءَتُهُ بِالْكِتَابِ بَيَانًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْيَمِينُ لَا الشِّمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَطْشَ يَقَعُ بِهَا) أَيْ وَالْأَخْذُ أَيْ فَتُقْطَعُ الْأَصَابِعُ لِإِزَالَةِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَخْذِ وَالْبَطْشِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الرُّسْغِ») قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا أَنَّ الْيَدَ ذَاتَ مَقَاطِعَ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ الرُّسْغُ وَالْمِرْفَقُ وَالْمَنْكِبُ وَكُلٌّ مِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَزَالَ الِاحْتِمَالُ بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ الزَّنْدِ وَلِأَنَّ مِفْصَلَ الزَّنْدِ وَهُوَ الرُّسْغُ مُتَيَقِّنٌ بِهِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ فَيُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّ الْعُقُوبَاتِ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الرُّسْغِ شُبْهَةٌ فَلَا تَثْبُتُ وَإِنَّمَا كَانَ مَفْصِلُ الزَّنْدِ مِنْ الْيَمِينِ مُرَادًا إمَّا بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَسْمُ هُوَ الْكَيُّ بَعْدَ الْقَطْعِ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَنَحْوِهِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا إخَالهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَقَالَ تُبْت إلَى اللَّهِ قَالَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْك» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَكَذَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ حُجِّيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمِفْصَلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ، وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْجِسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ وَقَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>