للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حُكْمًا وَقْتَ ظُهُورِ الْقَتْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَهَدَرَ دَمَهُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ بِاعْتِبَارِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ.

فَيَبْقَى مِلْكُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَوُجِدَ أَحَدُهُمَا مَذْبُوحًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ الْآخَرُ الدِّيَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ الْآخَرُ فَلَا يَضْمَنُ بِالشَّكِّ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَكَانَ تَوَهُّمُ ذَلِكَ سَاقِطًا فَصَارَ كَمَا إذَا وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ الْقَسَامَةُ عَلَيْهَا وَتُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَتُهْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَحَقِّقَةٌ ثُمَّ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّا أَنْزَلْنَاهَا قَاتِلَةً فَتُشَارِكُ الْعَاقِلَةَ فَتَجِبُ عَلَيْهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فِيهَا وَفِيمَا إذَا بَاشَرَتْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهَا وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى تِلْكَ الْقَبِيلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو يُوسُف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا قَسَامَةَ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ.

وَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ فِرَاشٍ وَلَهُ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ جَرِيحًا فِي الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ أَوْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى أَرْبَابِهَا.

؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي مُعَسْكَرٍ نَزَلُوا فِي فَلَاةٍ مُبَاحَةٍ لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ فَإِنْ وُجِدَ فِي خَيْمَةٍ أَوْ فُسْطَاطٍ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُهَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ كَمَا فِي الدَّارِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانُوا قَبَائِلَ مُتَفَرِّقِينَ فَعَلَى الْقَبِيلَةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا قَبَائِلَ قَبَائِلَ فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَالِّ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْمِصْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُزْعِجَهُمْ عَنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا وَإِنْ اسْتَوَوْا فَعَلَيْهِمَا كَمَا إذَا وُجِدَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ الْمَحَلَّتَيْنِ.

وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ الْفُسْطَاطِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْأَخْبِيَةِ اعْتِبَارًا لِلْيَدِ عِنْدَ انْعِدَامِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانُوا نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلَطِينَ فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ فَتَكُونُ مَنْسُوبَةً إلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ خَارِجَ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ وَإِنْ كَانَ لِلْأَرْضِ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ فَلَا يُزَاحِمُونَ الْمَالَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَالْفَرْقُ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحَلَّةِ أَوْ الدَّارِ أَنَّ الْعَسْكَرَ نَزَلُوا فِيهِ لِلِانْتِقَالِ وَالِارْتِحَالِ لَا لِلْقَرَارِ فَلَا يُعْتَبَرُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهِ لِلْقَرَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهِ.

وَإِنْ كَانُوا لَقُوا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ وَهِيَ الدِّيَةُ) أَيْ الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ وَالْمَعْقُلَةُ الدِّيَةُ وَتُسَمَّى عَقْلًا؛ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تُمْسِكَهُ يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرُ عَقْلًا شَدَّهُ بِالْعِقَالِ وَمِنْهُ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنْ الْقَبَائِحِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ دِيَةٍ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالْعَاقِلَةُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ يُقَالُ عَقَلْت الْقَتِيلَ أَيْ أَعْطَيْت دِيَتَهُ وَعَقَلْت عَنْ الْقَاتِلِ أَيْ أَدَّيْت عَنْهُ مَا لَزِمَهُ مِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْعَوَاقِلُ وَالِاتِّحَادُ هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ تَعْقِلَ عَاقِلَةُ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ وَلَيْسَ بِمَعْقُولٍ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ قُلْت الْعَاقِلَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ فَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْعَاقِلَةِ يَجِبُ لِلْوَرَثَةِ مِنْهُمْ وَهَذَا لِأَنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلُ دِيوَانِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَقْرِبَاؤُهُ اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ إنَّ الْمَرْأَةَ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. كَافِي وَهِدَايَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَوَاقِلِ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ عَقْلٌ. اهـ. .

[كِتَابُ الْمَعَاقِلِ]

(كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) لَمَّا كَانَ مُوجَبُ الْقَتْلِ خَطَأً وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا وَمَعْقُلَةً لِأَنَّ إبِلَ الدِّيَاتِ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ ثُمَّ عَمَّ هَذَا الِاسْمُ فَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ مَعْقَلَةً وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِالْمَعْقَلَةِ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ عَنْ أَنْ تُسْفَكَ وَمَعَاقِلُ الْجِبَالِ الْمَوَاضِعُ الْمَنِيعَةُ فِيهَا وَيُقَالُ عَقَلَ الدَّوَاءُ بَطْنَهُ يَعْقِلُهُ عَقْلًا إذَا أَمْسَكَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْقَافِ كَمَكْرُمَةٍ قَالَ الشَّارِحُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ قُلْت هَذَا لَيْسَ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِالضَّمِّ يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَى ضَمِّ الْمِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الضَّمُّ لِلْقَافِ وَالْفَتْحُ لِلْمِيمِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>