الْمَحَلَّةِ يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يُبَرَّءُونَ بِدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْرَءُونَ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ يَسْتَقِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إذَا كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَأَوِّلَيْنِ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ مِمَّنْ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَالِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُسْتَحْلِفِ أَنَّهُ قَتَلَهُ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْقَاتِلَ وَاعْتَرَفَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ يَجُوزُ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ لَهُ قَاتِلًا آخَرَ مَعَهُ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخُصَمَاءَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ وَالشَّفِيعُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ.
وَلَوْ وُجِدَ الرَّجُلُ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجُرْحُ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ فِي مِلْكِهِ وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ فِي مِلْكِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَهِيَ مَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِهِمْ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَتَلَهُ جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَهَادَتَهُمَا شَهَادَةَ مَنْ انْتَصَبَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا فَشَهِدَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ نَفْسَ وُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ جَعَلَهُمَا خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ شَهَادَتَهُمَا هَذِهِ شَهَادَةَ رَجُلٍ لَهُ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا ثُمَّ لَمْ يَصِرْ خَصْمًا فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُونَ خَصْمًا لَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَيْهِمْ فَإِذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِمْ زَالَتْ هَذِهِ الْعَرْضِيَّةُ.
وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَصْلًا فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ فِيهَا كَالشَّفِيعِ إذَا شَهِدَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ صَارُوا خُصَمَاءَ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَمَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَكِيلِ إذَا خُوصِمَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ ثُمَّ عُزِلَ وَشَهِدَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ وُجُودُ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَمَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا أُغَرِّمُكُمْ الدِّيَةَ لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَبِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ اهـ وَإِنَّمَا نَقَلْت هَذَا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ)، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ عَنْ الْيَتِيمِ خَصْمٌ فِي حُقُوقِهِ وَإِنْ لَمْ يُخَاصِمْ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْيَتِيمِ شَرْعًا فِي حُقُوقِهِ.
ثُمَّ لَوْ بَلَغَ الْيَتِيمُ فَشَهِدَ الْوَصِيُّ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ. اهـ. نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَرَضِيَّةٌ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَشَهِدَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا)، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلَانِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَا قَبْلَ الْخُصُومَةِ ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا لِمَكَانِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ فَصَارَتْ الْوَكَالَةُ مُقَيَّدَةً بِالْمَكَانِ فَلَا تَثْبُتُ قَبْلَهُ كَمَا لَوْ وَقَّتَ بِالزَّمَانِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَظْهَرُ وَمَا قَالَاهُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ نِهَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ لِوَرَثَتِهِ اهـ.
فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا) أَيْ وَزُفَرُ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ) أَيْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إذَا اخْتَلَفَ الْعَوَاقِلُ أَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ عَاقِلَةُ الْمَقْتُولِ مَعَ عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَقْتُولِ لِلْوَرَثَةِ فَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ