للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَجِبُ عَلَى الضَّامِنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمِلْكُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَلَا مِلْكَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ تَرْكِ الْحِفْظِ وَهُوَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحِفْظِ وَهُوَ مَنْ لَهُ يَدٌ أَصَالَةً لَا يَدٌ نِيَابَةً وَيَدُ الْمُودِعِ يَدُ نِيَابَةٍ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَكَذَا الْغَاصِبُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَعْقِلُ عَاقِلَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِذِي الْيَدِ) أَيْ إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَوُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ لَا تَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى تَعْقِلَهُ عَاقِلَتُهُ عَنْهُ وَالْيَدُ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ فَلَا تَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا لَا تَكْفِي لِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِالظَّاهِرِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ الْمَوْجُودُ فِيهَا هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ غَيْرُهُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْفُلْكِ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ)؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَسْتَوِي الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِيهِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَوِّي فِي الدَّارِ بَيْنَ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْفُلْكَ تُنْقَلُ وَتُحَوَّلُ فَتَكُونُ فِي الْيَدِ حَقِيقَةً فَتُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَدُ دُونَ الْمِلْكِ كَمَا فِي الدَّابَّةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا وَفِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ لَا قَسَامَةَ وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ إلَيْهِمْ وَالْجَامِعُ وَالشَّارِعُ لِلْعَامَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْقَسَامَةُ لِنَفْيِ تُهْمَةِ الْقَتْلِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَدِيَتُهُ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ الْجُسُورُ الْعَامَّةُ وَالْأَسْوَاقُ الْعَامَّةُ الَّتِي فِي الشَّوَارِعِ، وَكَذَا لَوْ وُجِدَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ يَكُونُ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي السُّوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا كُلِّهِ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ لَا إلَى أَهْلِ هَذِهِ السُّوقِ بِخِلَافِ الْأَسْوَاقِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَهْلِهَا أَوْ الَّتِي فِي الْمَحَالِّ وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي فِيهَا حَيْثُ يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهَا عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى الْمُلَّاكِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِحِفْظِ أَرْبَابِهَا أَوْ بِحِفْظِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَفٍّ مِنْ السُّوقِ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الصَّفِّ يَبِيتُونَ فِي حَوَانِيتِهِمْ فَدِيَةُ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانُوا لَا يَبِيتُونَ فِيهَا فَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ لَهُمْ مِلْكُ الْحَوَانِيتِ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِهِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُهْدَرُ لَوْ فِي بَرِيَّةٍ أَوْ وَسْطِ الْفُرَاتِ)؛ لِأَنَّ الْفُرَاتَ لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَمُرُّ بِهِ الْمَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ حَيْثُ يَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَى أَهْلِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْبَرِيَّةُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهَا وَلَا مِلْكَ فَيُهْدَرُ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْقَتِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْبَرِيَّةُ مَمْلُوكَةً لِأَحَدٍ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْقَرْيَةِ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ يَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِمَا بَيَّنَّا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ النَّهْرَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ انْبِعَاثِ مَائِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيُهْدَرُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مُحْتَبِسًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى) أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتِيلُ مُحْتَبِسًا فِي شَاطِئِ النَّهْرِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ الشَّطَّ فِي أَيْدِيهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيُورِدُونَ دَوَابَّهُمْ فَكَانُوا أَخَصَّ بِنُصْرَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ ضَمَانُ الْمُحْتَبِسِ فِيهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَوْضُوعِ بِالشَّطِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدَعْوَى الْوَلِيِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ تُسْقِطُ الْقَسَامَةَ عَنْهُمْ وَعَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مَعَ تَشَعُّبِهِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِيهِ فَلَا نُعِيدُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ الْتَقَى قَوْمٌ بِالسُّيُوفِ فَأَجْلَوْا عَنْ قَتِيلٍ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى أُولَئِكَ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ)؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْحِفْظُ عَلَيْهِمْ فَتَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ كُلِّهِمْ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ فَيَبْرَأُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِحُجَّةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ إذَا أَنْكَرَتْ الْعَاقِلَةُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ لَهُ وَقَالُوا هِيَ وَدِيعَةٌ فِي يَدِك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْمِلْكِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلَوْ وُجِدَ فِي السِّجْنِ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ أَهْلَ السِّجْنِ مَقْهُورُونَ فَلَا يَتَنَاصَرُونَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مَا يَجِبُ لِأَجْلِ النُّصْرَةِ، وَلِأَنَّهُ بُنِيَ لِاسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا كَانَ غُنْمُهُ يَعُودُ إلَيْهِمْ فَغُرْمُهُ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَهْلِهِ) لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَوِلَايَةُ التَّدْبِيرِ إلَيْهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّكَّانِ وَالْمُلَّاكِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي الْوَرَقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ اهـ

(قَوْلُهُ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ) يُرِيدُ بِهِ إذَا كَانَ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْ الْقُرَى. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَأَجْلَوْا) أَيْ انْكَشَفُوا وَانْفَرَجُوا يَعْنِي ذَهَبُوا وَتَرَكُوا قَتِيلًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَبْرَأَهُمْ الْوَلِيُّ بِدَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أُولَئِكَ) أَيْ الَّذِينَ الْتَقَوْا بِالسُّيُوفِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>