للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَامَّةُ هُمْ خَصَّصُوهَا بِرَأْيِهِمْ حَتَّى اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رِفْقَةٌ وَنِسَاءٌ ثِقَاتٌ وَنَحْنُ خَصَّصْنَاهَا بِمَا رَوَيْنَا وَجَازَ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ أَوْ لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْإِجْمَاعِ عِنْدَ عَدَمِ الرِّفْقَةِ وَالنِّسَاءُ الثِّقَاتُ وَالْمُهَاجِرَةُ وَالْمَأْسُورَةُ لَا تَنْشِآنِ سَفَرًا، وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمَا النَّجَاةُ لَا غَيْرُ خَوْفًا مِنْ تَبَدُّلِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ وَجَدَتَا عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ تُسَافِرَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِحُصُولِ الْأَمْنِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تَقْصِدَانِ مَكَانًا مُعَيَّنًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا ضَرُورَةً إلَيْهِ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا مُعْتَدَّتَيْنِ لَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَقْوَى فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ حَتَّى مَنَعَتْ مَا دُونَ السَّفَرِ بِخِلَافِ عَدَمِ الْمَحْرَمِ؛ وَلِهَذَا لَا تَخْرُجُ الْمُعْتَدَّةُ لِلْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَدِيثُ عَدِيٍّ يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَوَازِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَاقَ الْكَلَامُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ لَا لِبَيَانِ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ نَظِيرُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَبِهِ «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَسِيرُ الظَّعِينَةُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ بِخِطَامِ رَاحِلَتِهَا» الْحَدِيثَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَسِيرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِيرَةِ وَلَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُنَا خُرُوجُهَا إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ وَلَا زَوْجٍ لِأَيِّ حَاجَةٍ شَاءَتْ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَةُ خُرُوجِهَا وَحْدَهَا مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَإِذَا وَجَدَتْ مَحْرَمًا فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهُ إذَا خَرَجَتْ عِنْدَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهَا أَوْ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَبْلَهُ يَمْنَعُهَا وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْإِحْرَامِ إلَى أَدْنَى الْمَوَاقِيتِ وَبِمَكَّةَ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ.

وَإِنْ أَحْرَمَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا وَتَصِيرَ كَالْمُحْصَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ مَنْعُهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ تَفْوِيتَ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ فِي حَجٍّ مَنْذُورٍ أَوْ تَطَوُّعٍ وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَرَائِضِ وَالْحَجُّ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَجَّتْ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهَا وَبِخِلَافِ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْتِزَامِهَا فَلَا يَظْهَرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَصَارَ نَفْلًا فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ بِلَا مَحْرَمٍ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ فِيهِ، وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ كُلِّ مَحْرَمٍ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا وَكَافِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجُوسِيًّا أَوْ فَاسِقًا لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْفِتْنَةِ أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الصِّيَانَةُ وَالصَّبِيَّةُ الَّتِي بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ مِثْلَ الْبَالِغَةِ حَتَّى لَا يُسَارُ بِهَا إلَّا مَعَ الْمَحْرَمِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمَحْرَمَ شَرْطًا لِوُجُوبٍ أَمْ شَرْطًا لِأَدَاءٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَمْنِ الطَّرِيقِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ مَعَهَا إلَّا بِالزَّادِ مِنْهَا وَالرَّاحِلَةِ وَفِي وُجُوبِ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا لِيَحُجَّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا فَمَنْ قَالَ هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلِهَذَا لَوْ مَلَكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْقَبُولِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ

وَكَذَا لَوْ أُبِيحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ شَرْطُ الْأَدَاءِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا جَمِيعَ ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَلَوْ أَحْرَمَ الصَّبِيُّ أَوْ عَبْدٌ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَجُزْ عَنْ فَرْضِهِ)؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِلْفَرْضِ كَالضَّرُورَةِ إذَا أَحْرَمَ لِلنَّفْلِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الْفَرْضَ وَكَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ إذَا عَقَدَ لِلنَّفْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ الْفَرْضَ فَإِنْ قِيلَ الْإِحْرَامُ شَرْطٌ عِنْدَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِهِ كَالصَّبِيِّ إذَا تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ قُلْنَا الْإِحْرَامُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ اتِّصَالُ الْأَدَاءِ بِهِ فَأَخَذْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا مَضَى يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ يَكُونُ عَنْ الْفَرْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَكُونُ عَنْهُ وَلَوْ جَدَّدَ الصَّبِيُّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أُحْصِرَ وَتَحَلَّلَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ بِارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ الصَّبِيُّ لَوْ أَحْرَمَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ أَبُوهُ صَارَ مُحْرِمًا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجَرِّدَهُ وَيُلْبِسَهُ إزَارًا وَرِدَاءً.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَذَاتُ عِرْقٍ وَالْجُحْفَةُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِبَيَانِ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ الْعَدْلِ) أَيْ بِسَبَبِ الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ نَظِيرُهُ: قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ فِي مِثْلِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا) أَيْ أَوْ عَبْدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ أَوْ الْمُحْرِمَ إلَخْ) صَحَّحَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ وَصَحَّحَ السِّغْنَاقِيُّ الثَّانِيَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي وُجُوبِ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ لِيَحُجَّ بِهَا كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ اكْتِسَابُ الْمَالِ لِأَجْلِ الْحَجِّ اهـ.

(قَوْلُهُ فَبَلَغَ أَوْ عَتَقَ فَمَضَى) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إحْرَامِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ) أَيْ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَتَّى لَوْ أَصَابَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ الصِّيَامُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ جَانِيًا عَلَى إحْرَامِهِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ بِالْإِرَاقَةِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ. اهـ. كَاكِيٌّ.

فَائِدَةٌ قَالَ فِي الْكَافِي وَاعْلَمْ أَنَّ فُرُوضَ الْحَجِّ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ وَطَوَافُ الصَّدْرِ لِغَيْرِ الْمَكِّيِّ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ اهـ.

[مَوَاقِيت الْإِحْرَام]

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَمَنْ لَا وَعَنْ شَرَائِطِهِ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ اهـ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْوَقْتُ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُبْهَمَةِ وَالْمَوَاقِيتُ جَمْعُ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الْمَحْدُودُ فَاسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ وَمِنْهُ مَوَاقِيتُ الْحَجِّ لِمَوَاضِع الْإِحْرَامِ وَقَدْ فَعَلَ بِالْوَقْتِ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ تَعَدَّى وَقْتُهُ إلَى وَقْتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقْتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ مِيقَاتُهُ بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>