وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِزَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ وَيَضْرِبُ الِابْنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا سَهْمَانِ مِنْ تِسْعَةٍ وَلَهُ سَبْعَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ يَعْنِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى زَعْمِهِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَاسْتَغْرَقَ نَصِيبَهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ أَخَاهُ فِي الْخَمْسِينَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى زَعْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمُكَذِّبِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْمُقِرَّ يَحْصُلُ لَهُ نِصْفُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ الْإِقْرَارَ إلَى الْكُلِّ شَائِعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ، فَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ مَقْبُولٌ فَيَصِحُّ وَفِي حَقِّ أَخِيهِ لَا يُقْبَلُ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يُحَلِّفُ الْمُنْكِرَ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَةً أُخْرَى غَيْرَ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَسَمَاهَا رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَهُوَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُقِرِّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ أَبِيهِ الْمِائَةَ فَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الصُّلْحِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ، وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ خِلَافُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ صَارَتْ مِيرَاثًا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِاقْتِضَاءِ أَبِيهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لَا فِي نَصِيبِ أَخِيهِ فَبَقِيَتْ حِصَّةُ الْآخَرِ كَمَا كَانَتْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَجِبُ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى الطَّالِبِ بِقَبْضِ الطَّالِبِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا فَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ فِي الْإِقْرَارِ لَمْ يَنْفُذْ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُنْكِرِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يَزْعُمُ هَذَا الْمُقِرُّ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ قَبَضَ الْخَمْسِينَ، وَالْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْكُلِّ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسِينَ شَيْئًا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ وَالتَّنَاقُصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَانَ لِلِابْنِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ تَمَامَ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْمُنْكِرَ يَقُولُ لَمْ يَأْخُذْ أَبِي مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَلِي تَمَامُ خَمْسِينَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ ثُمَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الِابْنِ الْمُقِرِّ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ وَإِذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ الْمُنْكِرُ مِنْ الْخَمْسِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ) أَيْ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْغَرِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِتَمَامِ الْخَمْسِينَ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ اهـ
[كِتَابُ الصُّلْحِ]
(كِتَابُ الصُّلْحِ) قَدْ مَرَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّعْوَى فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) رُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ، فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ، صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَجَوَازُهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] عُرِّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صُلْحٍ خَيْرًا وَكُلُّ خَيْرٍ مَشْرُوعٌ اهـ سَيِّدٌ
وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَشَرْطُ الصُّلْحِ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقًّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ، وَكَوْنُ بَدَلِ الصُّلْحِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا تُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ) أَيْ بَعْدَ الْمُحَارَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute