للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لَا السِّرْقِينِ)، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَالًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْعَذِرَةِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ، وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَمَوَّلُوا السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَالْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرَاضِي لِاسْتِكْثَارِ الرَّيْعِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ، وَتُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَاصَّةِ جَائِزٌ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَهُ شِرَاءُ أَمَةٍ قَالَ بَكْرٌ وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا) مَعْنَاهُ أَنَّ جَارِيَةً لِإِنْسَانٍ فَرَأَى آخَرَ يَبِيعُهَا فَقَالَ الْبَائِعُ وَكَّلَنِي مَوْلَاهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَيَطَأَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَكَذَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ أَوْ، وَهَبَنِي إيَّاهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيَّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهُوَ الْفُرُوجُ بِأَنْ زُفِّتَ إلَيْهِ امْرَأَةٌ، وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ امْرَأَتُك حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ غَيْرَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ وَسِعَهُ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا تُشْتَرَطُ لِلْحَاجَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَا يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَكْبَرَ الرَّأْيِ يَقُومُ مَقَامَ الْيَقِينِ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ صَاحِبُ الْيَدِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَكَالَةِ أَوْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ عَرَفَهَا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ لَا يَشْتَرِيهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إلَيْهِ أَوْ وَكَّلَهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَوَّلِ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا مَعَ ذَلِكَ صَحَّ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لَمْ يَقْبَلْهَا، وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَيَعْلَمُ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ قَبِلَ قَوْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثِقَةً يُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ لَمْ يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ.

وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا رَجُلٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَكَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَوْ أَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا بِطَلَاقٍ، وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ بَعْدَمَا تَحَرَّتْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ فَلَا مُنَازِعَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ مَا يَطْرَأُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ الثَّلَاثُ إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَتَزَوَّجْت بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجُهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ الْجَارِيَةُ كُنْتُ أَمَةً لِفُلَانٍ فَأَعْتَقَنِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَوْ أَخْبَرَهَا مُخْبِرٌ أَنْ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ حِينَ تَزَوَّجَهَا مُرْتَدًّا أَوْ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّك

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ]

(فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ) (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَمَوَّلُوا السِّرْقِينَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَلَنَا أَنَّ السِّرْقِينَ مَالٌ فَجَازَ بَيْعُهُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَيُتَمَوَّلُ أَيْ يُدَّخَرُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تَمَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَمَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ كَانَ مَالًا فَجَازَ بَيْعُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِرَمَادٍ وَتُرَابٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا) وَنَجَاسَةُ الْعَيْنِ تَمْنَعُ الْأَكْلَ، وَلَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ فَجَازَ بَيْعُ ذَلِكَ اهـ غَايَةٌ.

وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِانْتِفَاعِ بِالْعَذِرَةِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُكْرَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَا يُكْرَهُ فَعَلَى قِيَاسِ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُكْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ احْتَرَزَ بِالصَّحِيحِ عَنْ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَخْلُوطَةً وَالرِّوَايَتَانِ نَقَلَهُمَا الْفَقِيهُ قَبْلَ هَذَا. اهـ. قَوْلُهُ: فِي الْهِدَايَةِ أَيْ، وَفِي الْكَافِي مِثْلُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ كَكِتَابٍ فِي يَدِ جَاهِلٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَكَدِرَةٍ فِي يَدِ فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ) أَيْ، وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالتَّنَزُّهُ أَفْضَلُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ) أَيْ إذَا أَتَاهُ عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ بِجَارِيَةٍ فَأَرَادَ بَيْعَ الْجَارِيَةِ فَلَا يَشْتَرِ قَبْلَ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ، وَقَبُولِهِ مِنْهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا أَذِنَ لَهُ، وَهُوَ ثِقَةٌ إلَخْ) فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ وَقَبُولِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَمْلُوكِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَافٍ لِلْمِلْكِ، وَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّ مَوْلَاهُ قَدْ أَذِنَ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ إخْبَارٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ فَيُقْبَلُ. اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِقِيَامِ الْمَانِعِ) أَيْ، وَهُوَ الرِّقُّ. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ عَنْ التَّصَرُّفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا رَجُلٌ ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ ثُمَّ تَتَزَوَّجَ)، وَهَذَا فِي الْإِخْبَارِ، وَأَمَّا فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ فُصُولِهِ إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَصْمِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ دَعْوَى الْمَرْأَةِ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ، وَهَذَا فِي الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا قَالُوا لِامْرَأَةِ الْغَائِبِ إنَّ زَوْجَك طَلَّقَك أَوْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ وَاحِدٌ عَدْلٌ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ آخَرَ كَذَا فِي الْفُصُولِ. هـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>