للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزَوَّجَتْهَا، وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِأُخْتِهَا، وَلَا بِأَرْبَعٍ سِوَاهَا حَتَّى يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَدْلَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْعَقْدِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْكَارِ فَسَادِهِ فَيَثْبُتُ الْمُنَازَعُ بِالظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ صَغِيرَةً فَأُخْبَرَ الزَّوْجُ أَنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ طَارَ وَالْإِقْدَامُ الْأَوَّلُ لَا يَدُلُّ عَلَى انْعِدَامِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمُنَازِعُ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَدُورُ الْفَرْقُ، وَلَوْ كَانَتْ جَارِيَةً صَغِيرَةً لَا تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا لَهُ فَلَمَّا كَبُرَتْ لَقِيَهَا رَجُلٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَتْ أَنَا حُرَّةُ الْأَصْلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِتَحَقُّقِ الْمُنَازِعِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُنَافِي طَارِئًا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ بَاعَهَا مُسْلِمٌ لَا كَافِرٌ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ مُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ خَمْرًا، وَأَخَذَ ثَمَنَهَا، وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْخَمْرِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ كَافِرًا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي صَحَّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَمَلَكَهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِأَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِكَوْنِهِ ثَمَنَ الْخَمْرِ يَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ بِقَضَائِهِ، وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لَهُ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا لَا يَرَى نُفُوذَ قَضَاءِ الْقَاضِي بَاطِنًا، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ، وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهَا هُوَ لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ، وَكَسْبُهُ مِنْ بَيْعِ الْبَاذَقِ أَوْ الظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ يَتَوَرَّعُ الْوَرَثَةُ، وَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ أَوْلَى لَهُمْ، وَيَرُدُّونَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهَا؛ لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَاحْتِكَارُ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَالْبَهِيمَةِ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) أَيْ يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي الْقُوتِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ»؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ، وَتَضْيِيقُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ فَيُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ مِلْكَهُ عَنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ، وَتَلَقِّي الْجَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ.

وَتَخْصِيصُ الِاحْتِكَارِ بِالْأَقْوَاتِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلّ مَا ضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَإِنْ كَانَ ثِيَابًا أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اعْتِبَارًا لِحَقِيقَةِ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ، وَهُمَا اعْتَبَرَا الضَّرَرَ الْمُتَعَارَفَ الْمَعْهُودَ ثُمَّ الْمُدَّةُ إذَا قَصُرَتْ لَا تَكُونُ احْتِكَارًا لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِذَا طَالَتْ تَكُونُ احْتِكَارًا مَكْرُوهًا لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ ثُمَّ قِيلَ هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ: حَيْثُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الدَّيَّانَةِ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَدُورُ الْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ قَبُولِ قَوْلِ الْوَاحِدِ، وَعَدَمِ قَبُولِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْإِخْبَارُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْمُنَازَعَةِ لَا يُقْبَلُ. اهـ غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَقَالَتْ) وَلَوْ قَالَتْ إنَّ سَيِّدِي قَدْ أَعْتَقَنِي حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِتَحْقِيقِ الْمُنَازَعِ) أَيْ، وَهُوَ ذُو الْيَدِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الِاحْتِكَارُ فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ احْتِكَارُهُ، وَقَالَ الِاحْتِكَارُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَإِنْ حَبَسَهُ عِنْدَهُ شَهْرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِثْمُهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْبِسُهُ، وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحُكْرَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ الَّذِي هُوَ قُوتُ النَّاسِ وَالْقَتُّ الَّذِي هُوَ قُوتُ الْبَهَائِمِ، وَلَيْسَ فِي الثِّيَابِ حُكْرَةٌ، وَلَا فِي الْأُرْزِ، وَلَا فِي الْعَسَلِ، وَلَا فِي السَّمْنِ، وَلَا فِي الزَّيْتِ حُكْرَةٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الزَّيْتِ حُكْرَةٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْرَةِ بِلَا فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ بِحُكْرَةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَالْحِنْطَةِ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْأَدْهَانَ وَالْعَسَلَ لَيْسَ بِهَا قِوَامُ الْأَبْدَانِ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهَا كَمَا فِي سِوَاهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ اللَّازِمَةَ الدَّائِمَةَ فِي الْأَقْوَاتِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يُكْرَهُ حَبْسُ غَيْرِ الْأَقْوَاتِ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَبْسَ الْأُرْزِ لَيْسَ بِاحْتِكَارٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي لَا يَتَقَوَّتُونَ بِهِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ قُوتُهُمْ مِثْلُ طَبَرِسْتَانَ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَأَمَّا الثِّيَابُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الْأَبْدَانِ وَبَقَاءَ الْحَيَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا، قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ.

١ -

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» قَالَ الْفَقِيهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالْجَالِبِ الَّذِي يَشْتَرِي الطَّعَامَ لِلْبَيْعِ فَيَجْلِبُهُ إلَى بَلَدِهِ فَيَبِيعُهُ فَهُوَ مَرْزُوقٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيَنَالُهُ بَرَكَةُ دُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُحْتَكِرُ يَشْتَرِي الطَّعَامَ لِلْمَنْعِ، وَيَضُرُّ بِالنَّاسِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَلَقِّي الْجَلْبِ، وَعَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ». اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قِيلَ اللَّعْنُ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدِهِمَا الطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْكَافِرِ وَالثَّانِي الْإِلْقَاءُ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ، وَمَقَامِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُؤْمِنُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هِيَ) أَيْ مُدَّةُ الِاحْتِكَارِ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْهَا. اهـ. غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>