للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ الرِّبَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فَضْلُ مَالٍ بِلَا عِوَضٍ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا} [الروم: ٣٩] إلَى قَوْلِهِ {فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: ٣٩] وَسُمِّيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ رَبْوَةً لِزِيَادَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَمَاكِنِ ارْتِفَاعًا وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوَكِّلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَتَّى يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) يَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِي الْمَكِيلِ وَالْوَزْنَ فِي الْمَوْزُونِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ بِانْفِرَادِهِ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةِ بِانْفِرَادِهَا فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسُ شَرْطٌ عِنْدَهُ لِحَدِيثِ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْت أَسْمَعُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمئِذٍ الشَّعِيرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الطَّعَامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الطُّعْمِ فَذِكْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ إذْ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ الْمُشْتَقِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] فَعِلَّةُ الْقَطْعِ وَالْجَلْدِ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الرِّبَا]

الرِّبَا اسْمٌ مِنْ رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو إذَا زَادَ وَالْمَصْدَرُ رِبًا. اهـ. عَيْنِيٌّ ذَكَرَ الرِّبَا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: ١٣٠] بَعْدَ مَا ذَكَرَ أَبْوَابَ الْبَيْعِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠]؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْفُو الْأَمْرَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ طَلَبُ الْإِيجَادِ وَالنَّهْيُ طَلَبُ الْإِعْدَامِ وَإِعْدَامُ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِهِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ: رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ فَالْأَوَّلُ فَضْلُ مَالٍ عَلَى الْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالثَّانِي فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى الْأَجَلِ وَفَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ وَالْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ أَوْ فِي الْجِنْسِ غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ وَالْمَوْزُونَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ بَابُ الرِّبَا مَا نَصُّهُ هُوَ مِنْ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيَّةِ قَطْعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: ١٣٠] بِسَبَبِ زِيَادَةٍ فِيهِ فَمُنَاسَبَتُهُ بِالْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَهَذِهِ مَنْهِيَّةٌ وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَسُمِّيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ رُبْوَةً) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالرُّبْوَةُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ بِضَمِّ الرَّاءِ فِي الْأَكْثَرِ وَالْفَتْحُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ «وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ») وَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلَاتِ الْكَائِنَةِ يَوْمئِذٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ فِيهَا. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعِلَّتُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَالْعِلَّةُ الْكَيْلُ مَعَ الْجِنْسِ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَيُقَالُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَهُوَ أَشْمَلُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ يُقَالُ بَدَلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ الْقَدْرُ وَهُوَ أَشْمَلُ وَأَخْصَرُ، لَكِنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ يَشْمَلُ الذَّرْعَ وَالْعَدَّ وَلَيْسَا مِنْ أَحْوَالِ الرِّبَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعُبَادَةَ مَعْلُولٌ أَمْ لَا قَالَ الْقَائِسُونَ بِأَجْمَعِهِمْ: إنَّهُ مَعْلُولٌ، لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: الْعِلَّةُ الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ وَعَدُّوا هَذَا الْحُكْمَ إلَى كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَتَّى أَثْبَتُوا هَذَا الْحُكْمَ فِي الْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَنَحْوِهِمَا لِوُجُودِ الْكَيْلِ وَأَثْبَتُوهُ فِي الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِوُجُودِ الْوَزْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ: إنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ مَعْلُولٍ وَلَا يَجْرِي الرِّبَا إلَّا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ: قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ يَعْنِي حُرْمَةَ الرِّبَا أَوْ وُجُوبَ التَّسْوِيَةِ مَعْلُولٌ بِإِجْمَاعِ الْقَائِسِينَ بِوُجُوبِ الْقِيَاسِ عِنْدَ شَرْطِهِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ وَكَذَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الرِّبَا مُقْتَصِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا أَمَّا الظَّاهِرِيَّةُ فَلِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ الْقِيَاسَ وَأَمَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَلِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ فِي كُلِّ أَصْلٍ أَنَّهُ مَعْلُولٌ وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَا وَلِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَدَدُ وَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي قَوْلِهِ «خَمْسٌ مِنْ الْفَوَاسِقِ». اهـ.

(قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْعِلَّةُ الطَّعْمُ بِانْفِرَادِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْفَضْلِ عَلَى مَا قَالَ فِي التُّحْفَةِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي بَيْعِ مَطْعُومٍ بِجِنْسٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ كَبَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالسَّفَرْجَلَةِ بالسفرجلتين وَنَحْوِهِمَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْقَدْرِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الطُّعْمُ وَالثَّانِي فِي بَيْعِ مُقَدَّرٍ غَيْرِ مَطْعُومٍ كَبَيْعِ قَفِيزِ جِصٍّ بِقَفِيزَيْ جِصٍّ أَوْ مَنِّ حَدِيدٍ بِمَنَوَيْ حَدِيدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فِي الْجِصِّ لِوُجُودِ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ وَهِيَ الْكَيْلُ وَالْجِنْسُ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الطَّعْمُ وَفِي الْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا لِوُجُودِ الْجِنْسِ وَالْوَزْنِ وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الثَّمَنِيَّةِ وَالطُّعْمِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا بَاعَ قَفِيزَ أُرْزٍ بِقَفِيزَيْ أُرْزٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ عِنْدَنَا وَلِوُجُودِ الطُّعْمِ وَالْجِنْسِ عِنْدَهُ وَكَذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَنَّ زَعْفَرَانٍ بِمَنَوَيْ زَعْفَرَانٍ أَوْ مَنَّ سُكَّرٍ بِمَنَوَيْ سُكَّرٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْوَزْنِ وَالْجِنْسِ عِنْدَنَا وَلِوُجُودِ الْجِنْسِ وَالطُّعْمِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجِنْسُ شَرْطٌ عِنْدَهُ) أَيْ لِعَمَلِ الْعِلَّةِ عَمَلَهَا؛ لِأَنَّ الطُّعْمَ وَالثَّمَنِيَّةَ لَا تَعْمَلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>