للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا رَدَّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ يَقْسِمُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَيَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ زَادَ الزَّوْجُ عَلَى مَهْرِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ تَكُونُ الزِّيَادَةُ لِلْمَوْلَى ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَبْقَ عَلَى حَالٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْحَطِّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ قِيَامُ الْعَقْدِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْهَلَاكِ بِمَنْزِلَةِ الْحَطِّ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَالَ ثُبُوتِهَا لَمْ يُقَابِلْهَا عِوَضٌ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُهَا بَعْدَ الْتِحَاقِهَا بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ الْمَبِيعِ حَالَةَ الِالْتِحَاقِ لَا حَالَةَ الثُّبُوتِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً وَقَبَضَهَا فَمَاتَتْ فَزَادَهُ الْبَائِعُ جَارِيَةً أُخْرَى جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَثْبُتُ مُقَابَلَةً بِالثَّمَنِ وَالثَّمَنُ قَائِمٌ وَلَوْ زَادَ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي جَانِبِهِ تَثْبُتُ مُقَابَلَةً بِالْمَبِيعِ وَالْمَبِيعُ هَالِكٌ وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْهَلَاكُ الْحُكْمِيُّ مُلْحَقٌ بِالْهَلَاكِ الْحَقِيقِيِّ وَذَلِكَ بِأَنْ بَاعَ الْمَبِيعَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ زَادَ فِي الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِتَبَدُّلِ سَبَبِ الْمِلْكِ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ وَصَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هَالِكًا حُكْمًا.

وَلَوْ أَعْتَقَ الْمَبِيعَ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ الْحَطُّ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحْطُوطُ تَبَعًا وَوَصْفًا أَمَّا إذَا كَانَ تَبَعًا فَلَا يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِأَلْفٍ جِيَادٍ فَنَقَدَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً وَرَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالْجِيَادِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَاعْوَرَّ وَرَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ صَحِيحًا وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَ مَوْجُودًا فِي الذِّمَّةِ لِحَاجَةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا تَدْفَعُ حَاجَتَهُ بَلْ تَزِيدُ فِي حَاجَتِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَا وَرَدَ بِتَمَلُّكِ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَمْلُوكَةِ بِالنِّكَاحِ تَبَعًا لِلْمَنْكُوحَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ غَيْرَ الْقَرْضِ) أَيْ يَجُوزُ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ غَيْرَ دَيْنِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِالْإِبْرَاءِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ إسْقَاطَهَا مُؤَقَّتًا بِالتَّأْجِيلِ وَلَوْ أَجَّلَهُ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْحَصَادِ جَازَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَفِي دَيْنِ الْقَرْضِ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ خِلَافًا لِمَالِكٍ هُوَ يَقُولُ أَنَّهُ حَقُّهُ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَنَا أَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَصِلَةُ ابْتِدَاءٍ، وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ كَالصَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَمُعَاوَضَة انْتِهَاءٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ رَدُّ مِثْلِهِ فَعَلَى اعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ فِيهِ كَالْإِعَارَةِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ إذَا وَقَّتَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ لَا سِيَّمَا إذَا كَمُلَتْ الْعِلَّةُ وَحَرُمَ التَّفَاضُلُ بِهَا وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لَوْ لَزِمَ فِيهَا لَصَارَ التَّبَرُّعُ مُلْزَمًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١]، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُقْرَضَ فُلَانٌ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَيَلْزَمُ وَلَا يُطَالِبُ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ وَالْوَصِيَّةُ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي غَيْرِهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجُوزُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَتَلْزَمُ.

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ ثُمَّ الزِّيَادَةُ لَا تَصِحُّ إلَخْ) وَالنَّصْرَانِيَّانِ إذَا تَبَايَعَا خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَثْبُتُ ثُمَّ يَسْتَنِدُ) أَيْ وَلَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ مَا يُقَابِلُهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا) أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ. اهـ. أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ غَيْرَ الْقَرْضِ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ إذَا أَجَّلَهُ عِنْدَ الْإِقْرَاضِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ بَعْدَهُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ قَرْضٍ فَأَخَّرَهُ إلَى أَجَلٍ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ مُؤَجِّلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْضٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ حَالًّا اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ زُفَرُ لَا يَلْتَحِقُ الْأَجَلُ بِالْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَالٌّ فَلَا يَتَأَجَّلُ كَالْقَرْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ) أَيْ وَمَجِيءِ الْحَاجِّ وَقُدُومِ رَجُلٍ مِنْ سَفَرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ) أَيْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْجُذَاذِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُعِيرَ إذَا وَقَّتَ) أَيْ إلَى سَنَةٍ. اهـ. مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ) أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ اهـ مُسْتَصْفَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ وَيُؤَجِّلُ الْمُقْرِضُ ذَلِكَ الرَّجُلَ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ. اهـ. فُصُولُ الْعِمَادِيَّةِ وَذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ إذَا تَكَفَّلَ بِالْمَالِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ يَتَأَجَّلُ عَلَى الْأَصْلِ أَيْضًا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَلَكِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْهُ حِيلَةً فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ، وَكَذَا فِي الْكَافِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَعَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِهَاءِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَوْ يُقَالُ إنَّ بَدَلَ الْقَرْضَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ عَيْنُ الْمَقْبُوضِ إذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ كَانَ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَأَنَّهُ حَرَامٌ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ عَارِيَّةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَالتَّوْقِيتُ فِي الْعَوَارِيِّ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَذَا الْأَجَلُ فِي الْقَرْضِ، وَلَوْ صَحَّحْنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَصِيرُ لَازِمًا لَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَارِيَّةً وَمِنْ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْقَرْضِ فِي حُكْمِ عَيْنِهِ فَيَكُونُ مُبَادَلَةَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَأَنَّهُ حَرَامٌ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْجَهُ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>