للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ ثُمَّ أَجَازَتْ النِّكَاحَ بَطَلَ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاءُ الزُّورِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ حَيْثُ يَتَوَقَّفُ، وَيَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ إعْتَاقُهُ بَلْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالشَّيْءُ إذَا تَوَقَّفَ يَتَوَقَّفُ بِحُقُوقِهِ، وَالظِّهَارُ مَحْظُورٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِمِلْكِ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا مِنْهُنَّ) أَيْ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُظَاهِرًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ لِوُجُودِ رُكْنِهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَهُوَ التَّشْبِيهُ فَصَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْإِيلَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ كَفَّرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَقَالَ مَالِكٌ يَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُنَّ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ ثُمَّ قَرِبَهُنَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الظِّهَارَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْإِيلَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظِّهَارُ يَمِينٌ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ، وَذَلِكَ يَمِينٌ فَلَا تَجِبُ فِيهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَزُورٌ مَحْضٌ، وَالْيَمِينَ تَصَرُّفٌ مَشْرُوعٌ مُبَاحٌ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ كَفَّارَتُهُمَا فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْيَمِينَ إمَّا بِاَللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ بِالتَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَلَمْ يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الظِّهَارِ.

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ).

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَالتَّذْكِيرُ بِتَأْوِيلِ التَّكْفِيرِ وَهِيَ قَبْلَ الْوَطْءِ لِمَا تَلَوْنَا، وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مَنْ وَاقَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، وَلِأَنَّ التَّكْفِيرَ لِانْتِهَاءِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالظِّهَارِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْوَطْءِ لِيَحِلَّ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَبَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْكَافِرَةِ وَالْمُسْلِمَةِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجُوزُ الْكَافِرَةُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى عَدُوَّةٍ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمُرْتَدُّ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَهُ كَافِرًا

وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ لَا فَعِنْدَنَا لَا يُحْمَلُ، وَعِنْدَهُ يُحْمَلُ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ، وَهُنَا قَيَّدَهُ بِالنَّصِّ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِذَاتٍ مَرْقُوقَةٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ وُجِدَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْإِيمَانِ زِيَادَةٌ وَهِيَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَتَعَدَّى الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ بِعَيْنِهِ إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَلَا نَصَّ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ أَوْ شُبْهَتِهِ حَتَّى صَارَ مُؤَخَّرًا عَنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَهُنَا نَصٌّ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ، وَهُوَ إطْلَاقُ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَيْسَ نَظِيرَ الْأَصْلِ لِأَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ أَعْظَمُ، وَلِهَذَا لَمْ يُشَرَّعْ فِيهِ الْإِطْعَامُ، وَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِغَيْرِهِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْإِطْعَامِ تَغْلِيظًا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَتَعْظِيمًا لِلْجَرِيمَةِ حَتَّى تَتِمَّ صِيَانَةُ النَّفْسِ، فَكَذَا لَا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ فِي التَّغْلِيظِ لِأَنَّ قَيْدَ الرَّقَبَةِ بِالْإِيمَانِ أَغْلَظُ فَيُنَاسِبُهُ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ جَرِيمَةَ الْقَتْلِ أَعْظَمُ، وَالْمَقْصُودَ مِنْ التَّحْرِيرِ تَمْكِينُهُ مِنْ الطَّاعَةِ، وَارْتِكَابَهُ الْمَعْصِيَةَ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْعِتْقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْكَفَّارَةِ مَالِيَّتُهُ دُونَ اعْتِقَادِهِ، وَكَوْنَهُ عَدُوَّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: ٨]

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارًا) بِالنِّصْفِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ) هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِتَعَدُّدِ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ هَذِهِ تُخَالِفُ مَذْهَبَنَا لِأَنَّ تَكَرُّرَهُ يَدُلُّ أَنَّهُ سَبَبٌ وَهُمْ مَنَعُوا تَقْدِيمَهُ وَلَوْ كَانَ سَبَبًا لَجَازَ وَهَذَا سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ سَبَبًا بِالْحِنْثِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ

[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ).

لَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ بِالظِّهَارِ حُرْمَةً مُؤَقَّتَةً إلَى وُجُودِ الْمَنْهِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ شَرَعَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لِبَيَانِ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مَشْرُوعَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ دُونَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهَا بِحَرْفِ الْفَاءِ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ الْإِعْتَاقُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ثُمَّ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: ٣] {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إعْتَاقُ الرَّقَبَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَرِثَ أَبًا فَنَوَى بَدْءَ الْكَفَّارَةِ لَمْ يُجْزِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ أَيْضًا وَالْكَفَّارَةُ شَرْطٌ فِيهَا التَّحْرِيرُ وَهُوَ صُنْعٌ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ إلَخْ أَيْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عِتْقُ رَقَبَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا الْمَجْمُوعِ لَا فِي الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِي عِنْدَنَا عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْيَمِينِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِي عِنْدَهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتِقَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَ رَقَبَةً كَافِرَةً كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدَّيْنِ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ اهـ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ قِيَاسَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إلَخْ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ اعْتِقَادِ النَّقْصِ فِيمَا تَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>