للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ بِشَرْطٍ، وَمُعَاقَدَةٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَتَسْمِيَتُهُ رِزْقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُقَدَّرٌ بِالْكِفَايَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْرٍ، وَقَدْ جَرَى الرَّسْمُ بِإِعْطَائِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كَانَ يُؤْخَذُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَهُوَ يُعْطَى مِنْهُ، وَفِي زَمَانِنَا يُؤْخَذُ الْخَرَاجُ فِي آخِرِ السَّنَةِ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْخَرَاجِ خَرَاجُ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ أَخَذَ الرِّزْقَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ قِيلَ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ حِصَّةِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ، وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) أَيْ يَجُوزُ لَهُمَا السَّفَرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَحْرَمِ لِعَامَّةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْحُرَّةِ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ الْمَحْرَمِ فَكَذَا هِيَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا، وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَةٌ رَقَبَةً، وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ، وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا، لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ فِيهِ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَشِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِلْعَمِّ وَالْأُمِّ وَالْمُلْتَقِطِ لَوْ فِي حِجْرِهِمْ) أَيْ يَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَشْتَرُوا لِلصَّغِيرِ، وَيَبِيعُوا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِمْ، وَذَلِكَ مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ذَلِكَ لَتَضَرَّرَ الصَّغِيرُ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الصَّغِيرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ نَوْعٍ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ كُلُّ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَنَوْعٍ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَنَوْعٍ هُوَ مُتَرَدِّدٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَفْعًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرًا، وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا، وَيَمْلِكُونَهُ سَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ، وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ عَصَبَةٍ، وَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَتُؤَجِّرُهُ أُمُّهُ فَقَطْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يُؤَجِّرُهُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْأُمُّ فَإِنَّهَا تُؤَجِّرُهُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا، وَلَا يُؤَجِّرُهُ الْأَخُ، وَلَا الْعَمُّ، وَلَا الْمُلْتَقِطُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأُمَّ تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ، وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ، وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ، وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ إلَّا إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ.

(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هِيَ أَرْضٌ تَعَذَّرَ زَرْعُهَا لِانْقِطَاعِ الْمَاءِ عَنْهَا أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ) هَذَا تَفْسِيرُ الْمَوَاتِ مِنْ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مَوَاتًا إذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِبُطْلَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا تَشْبِيهًا لَهَا بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ وَبَطَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحَيَاةِ فَظَاهِرٌ وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَيَاةِ هُنَا الْحَيَاةُ النَّامِيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: ٩] وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ أَيْ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَكَمَالُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ كَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا فِيهَا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ فَلَا تَكُونُ مَوَاتًا ثُمَّ إنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَانَتْ لُقَطَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ اللُّقَطَاتِ وَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَهَا وَضَمِنَ لَهُ مَنْ زَرَعَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمَا كَانَ مِنْهَا عَادِيًا أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ إلَخْ) إذَا اسْتَعْجَلَتْ نَفَقَةَ السَّنَةِ فَمَاتَ الزَّوْجُ فِي بَعْضِ السَّنَةِ رَدَّتْ مَا بَقِيَ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَذَا ذَكَرَ الشَّهِيدُ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ. اهـ غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْعِ إلَخْ) سَيَجِيءُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَتَّجِرُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْأَبَ وَالْوَصِيَّ يَمْلِكَانِ زِرَاعَةَ مَالِ الصَّغِيرِ. اهـ. وَأَمَّا إقْرَاضُ مَالِ الْيَتِيمِ فَمَذْكُورٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ آجَرَ الصَّبِيُّ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ) أَيْ لَا يَلْزَمُ. اهـ نِهَايَةٌ.

[كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ]

(كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ، وَمَا لَا يُكْرَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَيْهَا) أَيْ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ الْأَرْضُ سَبْخَةً أَوْ يَغْلِبَ عَلَيْهَا الرِّمَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) أَيْ صَارَتْ خَرَابًا وَانْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا وَارْتِفَاقُ النَّاسِ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْمَرْعَى وَالِاحْتِطَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا) أَيْ حَتَّى لَا يَمْلِكَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فَهِيَ لَهُ) أَيْ أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ عُرِفَ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>