للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْإِسْلَامِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَمُرَادُهُ بِالْعَادِيِّ مَا قَدِمَ خَرَابُهُ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى عَادٍ لِخَرَابِهِ مِنْ عَهْدِهِمْ وَجَعَلَ الْمَمْلُوكَ فِي الْإِسْلَامِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهُ مِنْ الْمَوَاتِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَا؛ لِأَنَّهُ مَوَاتٌ حَقِيقَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا.

وَقَوْلُهُ: بَعِيدَةٌ مِنْ الْعَامِرِ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَحَدُّ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بِحَيْثُ لَوْ، وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَوَاتٌ، وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ فِنَاءُ الْعَامِرِ فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُهُمْ مُنْقَطِعًا عَنْهُ ظَاهِرًا فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُعْتَبَرُ حَقِيقَةٌ الِانْتِفَاعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ مَلَكَهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إذْنُ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ عَمَّرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ كَالْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالرِّكَازِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ»؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ كَانَتْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ ثُمَّ صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَصَارَتْ فَيْئًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْفَيْءِ أَحَدٌ دُونَ رَأْيِ الْإِمَامِ كَالْغَنَائِمِ بِخِلَافِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ، وَأَمْثَالِهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَلَمْ تَكُنْ فِي حُكْمِ الْفَيْءِ، وَمَرْوِيُّهُمَا كَانَ إذْنًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا نَصْبَ شَرْعٍ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَإِنَّهُ تَحْرِيضٌ مِنْهُ بِالسَّلَبِ لَا نَصْبُ شَرْعٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ إذَا أَحْيَاهَا فَهَلْ هِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ عُشْرِيَّةٍ فَهِيَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي السِّيَرِ وَبَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ، وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ أُحِيطَ الْإِحْيَاءُ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ حَجَّرَ لَا) أَيْ إنْ حَجَّرَ الْأَرْضَ لَا يَمْلِكُهَا بِالتَّحْجِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرُ لِلْإِعْلَامِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ لِلْغَيْرِ بِوَضْعِ عَلَامَةٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ بِحَصَادِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّوْكِ وَنَفْيِهِ عَنْهَا وَجَعْلِهِ حَوْلَهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَإِذَا لَمْ يُعَمِّرْهَا فِيهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ دَفَعَهَا إلَيْهِ لِيُعَمِّرَهَا فَيَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ مَنْفَعَةُ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِهَا فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ لِمُتَحَجِّرِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ؛ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَامَّةً حَتَّى تَشْمَلَ جَمِيعَ الْمُتَحَجِّرِينَ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ لَهُ أَنْ يَحْتَجِرَ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَقْصَى دَارِ الْإِسْلَامِ يُقْطَعُ فِي سَنَةِ فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ سَنَةٍ لِلذَّهَابِ وَسَنَةٍ لِلْإِيَابِ وَسَنَةٍ لِتَدْبِيرِ مَصَالِحِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ حَتَّى تَمْضِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ، وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ فَإِذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّهَا مَلَكَهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِخَرَابِهِ مِنْ عَهْدِهِمْ) أَيْ لَا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى عَادٍ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ أَرَاضِي الْمَوَاتِ لَمْ تَكُنْ لِعَادٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ، وَقَفَ إنْسَانٌ) أَيْ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ) أَيْ الْقَرِيبُ عَلَى مَذْهَبِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ) يَعْنِي أَخَذَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ لَا يَكُونُ مَوَاتًا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَمَنْ أَحْيَاهُ) أَيْ بِأَنْ كَرِيهَ وَسَقَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَقَدْ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَمْلِكُهُ مَنْ أَحْيَاهُ إلَخْ) وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَانَ إذْنًا مِنْهُ) أَيْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا نَصْبَ شَرْعٍ) حَتَّى يَكُونَ عَامًّا. اهـ. غَايَةٌ قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ عِلْمًا أَيْ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ. اهـ. غَايَةٌ كُلُّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِعِ عَلَى وَجْهَيْنِ شَرْعٍ، وَإِذْنٍ بِشَرْعٍ فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ، وَأَنَّهُ كَثِيرُ النَّظِيرِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»؛ لِأَنَّ السَّلَبَ لَيْسَ لِلْقَاتِلِ عِنْدَنَا مَا لَمْ يَقُلْ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ثُمَّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» عِنْدَهُمَا شَرْعٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذْنٌ بِالشَّرْعِ. اهـ. مُشْكِلَاتُ خُوَاهَرْزَادَهْ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ حَجَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّخْفِيفُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنْ الْإِحْيَاءِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ اشْتِقَاقُ الْكَلِمَةِ مِنْ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَعْلَمَ فِي مَوْضِعِ الْمَوَاتِ عَلَامَةً فَكَأَنَّهُ مَنَعَ الْغَيْرَ مِنْ إحْيَاءِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا. اهـ. مُجْتَبَيْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَنْعُ) أَيْ لَا مِنْ الْحَجْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ. مُجْتَبَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>