للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْمُوَلَّى بِإِبْطَالِ حَقِّهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ بَيْعُ الْعَبْدِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، وَكَذَا إقْرَارُهُ بِالْقَتْلِ خَطَأً؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ دَفْعُ الْعَبْدِ أَوْ الْفِدَاءُ عَلَى الْمَوْلَى وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، فَيَكُونُ بَاطِلًا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ رَمَى رَجُلًا عَمْدًا فَنَفَذَ السَّهْمُ مِنْهُ إلَى آخَرَ يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ وَلِلثَّانِي الدِّيَةُ)؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمْدٌ وَالثَّانِيَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَهُوَ الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَكَأَنَّهُ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ فَأَصَابَ مُسْلِمًا وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَثَرِهِ.

[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ]

(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ لَوْ عَمْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا إلَّا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ) مَعْنَى هَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُ الْقَتْلِ وَمُوجِبُ الْقَطْعِ إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً أَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكُلَّ لَا يَتَدَاخَلَانِ إلَّا الْخَطَأَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيَجِبُ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ لَا يَتَدَاخَلَانِ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ فَيُقْتَلُ حُرًّا وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ لِتَجَانُسِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا فَصَارَا كَالْخَطَأَيْنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ غَالِبًا وَاعْتِبَارُ كُلِّ ضَرْبَةٍ عَلَى حِدَتِهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ فَيُجْمَعُ تَيْسِيرًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بِأَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْفِعْلَيْنِ كَالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَوْ يَتَخَلَّلُ الْبُرْءُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَتْمِيمًا لِلْأَوَّلِ فَيُعْتَبَرُ عَلَى حِيَالِهِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ فَصَارَ كَسِرَايَةِ الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ حَزَّ الرَّقَبَةِ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْقَطْعِ كَالْبُرْءِ حَتَّى لَوْ صَدَرَا مِنْ شَخْصَيْنِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ فَكَذَا إذَا كَانَا مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقْطَعُ الْأَوْلِيَاءُ يَدَهُ، ثُمَّ يَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَمُوجِبُ الْقَطْعِ إذَا كَانَا عَمْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً)

هَذِهِ حَالَةٌ تَتَقَسَّمُ إلَى حَالَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً وَالْأُخْرَى قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ فَصَارَتْ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَالْحَالَتَانِ الْأُخْرَيَانِ كَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ أَرْبَعُ صُوَرٍ فَيَصِيرُ الْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةَ صُوَرٍ فِي سِتٍّ مِنْهَا لَا يَتَدَاخَلَانِ اتِّفَاقًا وَفِي وَاحِدَةٍ يَتَدَاخَلَانِ اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ فَقَطْ وَالثَّامِنَةُ خِلَافِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَدَاخَلَانِ، وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ اهـ.

(فُرُوعٌ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَقْطَعُ يَدَ الرَّجُلِ عَمْدًا، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ الْيَدُ أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا قَبْلَ الْبُرْءِ.

قَالَ يُؤْخَذُ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَدِ وَالنَّفْسِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا يُشَاكِلُهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ يَقْتُلُهُ خَطَأً أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ خَطَأً، ثُمَّ يَقْتُلُهُ عَمْدًا، ثُمَّ كُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَبْرَأَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْرَأَ فَصَارَتْ فِي الْحَاصِلِ ثَمَانِيَ مَسَائِلَ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً أَوْ الْقَطْعُ خَطَأً وَالْقَتْلُ عَمْدًا.

وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَ الْبُرْءِ فَفِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا بَعْدَ الْبُرْءِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُوجِبَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى، فَيَكُونُ الْقَتْلُ بَعْدَهُ فِعْلًا ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ يَقْتُلَهُ، وَلَوْ كَانَا خَطَأَيْنِ أَخَذَ دِيَةَ الطَّرَفِ وَدِيَةَ النَّفْسِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا يُقْتَصُّ فِيمَا هُوَ عَمْدٌ وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ فِيمَا هُوَ خَطَأٌ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَإِنْ كَانَا خَطَأً يُكْتَفَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ إلَّا نَفْسًا وَاحِدَةً فَلَا يَجِبُ بِهِ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا اُقْتُصَّ فِيمَا هُوَ عَمْدٌ وَأُخِذَ بِالدِّيَةِ فِيمَا هُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَدَاخَلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ لِاخْتِلَافِهِمَا فَأَمَّا إنْ كَانَا عَمْدَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ قَطَعَ، ثُمَّ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالْقَتْلِ، وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقَتْلُ هُمَا يَقُولَانِ إنَّهُ مَا فَوَّتَ بِالْفِعْلِ إلَّا النَّفْسَ فَحَسْبُ كَمَا إذَا كَانَا خَطَأً فَثَمَّةَ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَجِبُ هُنَا إلَّا قِصَاصٌ وَاحِدٌ إذَا كَانَا عَمْدًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَتَى بِجِنَايَتَيْنِ قَطْعٍ وَقَتْلٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (فَرْعٌ). اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ مِنْ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ يُعْتَبَرُ كُلُّ فِعْلٍ وَيُؤْخَذُ بِمُوجِبِ الْفِعْلَيْنِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْأَوَّلِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْبُرْءِ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَلِلْوَلِيِّ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ تَجِبُ دِيَةٌ وَنِصْفُ دِيَةٍ.

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا وَالْقَتْلُ خَطَأً يَجِبُ فِي الْيَدِ الْقَوَدُ وَفِي النَّفْسِ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً وَالْقَتْلُ عَمْدًا يَجِبُ فِي الْيَدِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي النَّفْسِ الْقَوَدُ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ خَطَأً يُعْتَبَرُ كُلُّ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ فَيَجِبُ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَإِنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يُعْتَبَرُ الْكُلُّ جِنَايَةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَا عَمْدَيْنِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَطَعَ وَقَتَلَ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ اهـ حِصَارِيٌّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يَتَدَاخَلَانِ) أَيْ إذَا كَانَ الْقَتْلُ قَبْلَ الْبُرْءِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَعَدَمُ تَخَلُّلِ الْبُرْءِ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْجَمْعَ) وَمَعْنَى الْجَمْعِ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِالْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ) أَيْ بِقَطْعِ يَدِ الْقَاطِعِ وَبِقَتْلِ الْقَاتِلِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>