الْمُسَاوَاةَ فِي الْفِعْلِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعُ بِالْقَطْعِ وَاسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ بِالْقَتْلِ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً وَمَعْنًى تَكُونُ بِاسْتِيفَائِهِمَا وَبِالِاكْتِفَاءِ بِالْقَتْلِ لَمْ تُوجَدْ الْمُمَاثَلَةُ إلَّا مَعْنًى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ وَهِيَ بَدَلُ الْمَحَلِّ وَالْمَقْتُولُ وَاحِدٌ فَيَجِبُ بَدَلٌ وَاحِدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ عَشَرَةً لَوْ قَتَلُوا وَاحِدًا خَطَأً يَجِبُ عَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ، وَلَوْ قَتَلُوهُ عَمْدًا قُتِلُوا بِهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ؛ وَلِأَنَّ أَرْشَ الْيَدِ لَوْ وَجَبَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَزِّ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ دِيَةُ النَّفْسِ بِالْحَزِّ فَيَجْتَمِعُ وُجُوبُ بَدَلِ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ بِقَتْلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ دِيَاتٌ كَثِيرَةٌ لِلْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ بِتَلَفِ النَّفْسِ، أَمَّا الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ فَقِصَاصَانِ فَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ وَسَرَى حَيْثُ يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ لِاتِّحَادِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَطَأً وَالْآخَرُ عَمْدًا وَالثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَا خَطَأَيْنِ وَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَلِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَلِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ فِي الثَّانِي وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ فَيُعْطَى لِكُلِّ فِعْلٍ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ لَا فِي خَطَأَيْنِ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ هَذَا إخْرَاجٌ عَنْ قَوْلِهِ أُخِذَ بِالْأَمْرَيْنِ أَيْ بِمُوجِبَيْ فِعْلِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُمَا يَتَدَاخَلَانِ وَلَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَتَجِبُ فِيهِ دِيَةُ النَّفْسِ لَا غَيْرُ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَحْثِ، وَقَوْلُهُ كَمَنْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَبَرَأَ مِنْ تِسْعِينَ وَمَاتَ مِنْ عَشَرَةٍ يَعْنِي يَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا إذَا كَانَ الْقَطْعُ وَالْقَتْلُ خَطَأَيْنِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّرَبَاتِ الَّتِي بَرَأَ مِنْهَا وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ سَقَطَ أَرْشُهَا لِزَوَالِ الشَّيْنِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَدْوِيَةِ وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ بَقِيَ لَهَا أَثَرٌ بَعْدَ الْبُرْءِ يَجِبُ مُوجِبُهُ مَعَ دِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ الشَّيْنِ فِي النَّفْسِ وَهُوَ بِبَقَاءِ الْأَثَرِ
. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَطْعِ فَمَاتَ ضَمِنَ الْقَاطِعُ الدِّيَةَ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ لَا فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعَفْوُ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقَطْعِ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا حَتَّى إذَا مَاتَ بَعْدَ الْعَفْوِ بِالسِّرَايَةِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إذَا أُضِيفَ إلَى الْفِعْلِ كَالْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ يُرَادُ بِهِ مُوجِبُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْفِعْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ وَمُوجِبُهُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ ضَمَانُ الطَّرَفِ إنْ اقْتَصَرَ وَضَمَانُ النَّفْسِ إنْ سَرَى فَيَتَنَاوَلُهُمَا فَصَارَ كَالْعَفْوِ عَنْ الْجِنَايَةِ أَوْ عَنْ الْقَطْعِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ أَوْ عَنْ الشَّجَّةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّ اسْمَ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ يَتَنَاوَلُ السَّارِيَ وَالْمُقْتَصِرَ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ جِنْسٌ وَهُمَا نَوْعَانِ فَصَارَتْ السِّرَايَةُ وَالِاقْتِصَارُ صِفَةً لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِقَطْعِ يَدِهِ فَقَطَعَهَا وَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَطْعِ يَتَنَاوَلُهُ فَكَذَا الْعَفْوُ عَنْهُ يَتَنَاوَلُ مَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ السَّبَبَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمُسَبَّبُ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ عَنْ الْغَصْبِ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ مُوجِبِ الْغَصْبِ وَهُوَ رَدُّ الْعَيْنِ عِنْدَ قِيَامِهَا وَرَدُّ الْقِيمَةِ بَعْدَ هَلَاكِهَا، وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءٌ عَنْ مُوجِبِ الْعَيْبِ وَهُوَ الرَّدُّ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَالرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ دُونَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَتْلًا مِنْ الِابْتِدَاءِ فَعَفْوُهُ عَنْ الْقَطْعِ يَكُونُ عَفْوًا عَنْ غَيْرِ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا قَطْعَ لِي قِبَلَ فُلَانٍ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ يَتَنَاوَلُهُ كَمَا قَالَا لَاقْتَضَى بَرَاءَتَهُ عَنْهُ فَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ لِكَوْنِهِمَا غَيْرَيْنِ فَلَمْ يُصَادِفْ الْعَفْوُ مَحَلَّ حَقِّهِ فَيَبْطُلُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ) أَيْ إذَا قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فَقَطْ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا فِي خَطَأَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَنُسْخَةِ الشَّيْخِ شَمْسِ الدِّينِ الزَّرَاتِيتِيِّ الْمُقَابَلَةِ عَلَى خَطِّ الشَّارِحِ وَغَالِبُ نُسَخِ الْمَتْنِ إلَّا بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْعَيْنِيِّ وَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ) جَعَلَ كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ إلَّا عَشَرَةً فَمَاتَ مِنْهَا فَلَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ)، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ اهـ أَتْقَانِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute