مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَمَّا التَّسْمِيَةُ فَلِمَا تَلَوْنَا وَرَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَعَ التَّذَكُّرِ، وَأَمَّا إذَا نَسِيَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الذَّبَائِحِ، وَأَمَّا الْجُرْحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: ٤] مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْجُرْحِ فَمَنْ شَرَطَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى النَّصِّ، وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ وَثَعْلَبَةَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِلَّا لَزِمَ نَسْخُهُ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَجْهُ الظَّاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: ٤] عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيمَ الْجُرْحُ مَقَامَهُ كَمَا فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْرَحْهُ صَارَ مَوْقُوذَةً، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِالنَّصِّ وَمَا تُلِيَ مُطْلَقٌ وَكَذَا مَا رُوِيَ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ، وَإِنَّمَا لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَوَادِثُ أَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ وَالْإِطْلَاقُ مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ
أَمَّا إذَا كَانَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَالْحَادِثَةُ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَا) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ يُؤْكَلُ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ كَالْبَازِي لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ هُوَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ»
؛ وَلِأَنَّ فِعْلَ الْكَلْبِ إنَّمَا صَارَ ذَكَاةً لِعِلْمِهِ وَبِالْأَكْلِ لَا يَعُودُ جَاهِلًا فَصَارَ كَالْبَازِي وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهُ «إذَا أَرْسَلْت كِلَابَك الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك إلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا أَرْسَلْته فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمَرْوِيُّهُمَا غَرِيبٌ فَلَا يُعَارِضُ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْمُحَرِّمُ أَوْلَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَازِي وَالْكَلْبِ قَدْ بَيَّنَّاهُ وَلَوْ صَادَ الْكَلْبُ صَيُودًا وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مِنْ الَّذِي أَكَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَكْلَهُ عَلَامَةُ جَهْلِهِ وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فِي الِابْتِدَاءِ
وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحَرَّزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدَ تَثَبُّتِ الْحُرْمَةِ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا هُوَ مُحَرَّزٌ فِي الْبَيْتِ يَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ قَدْ تُنْسَى وَقَدْ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُوعُ فَيَأْكُلُ مَعَ عِلْمِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا أَحْرَزَهُ قَدْ أَمْضَى الْحُكْمَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يَنْقُضُ بِاجْتِهَادِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحَرَّزِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَاءِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَيَحْرُمُ احْتِيَاطًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَكْلَهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا فَبِالْأَكْلِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ الْأَكْلَ كَانَ بِسَبَبِ الشِّبَعِ لَا لِلتَّعَلُّمِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا ظَاهِرًا فَبَقِيَ جَهْلُهُ مَوْهُومًا وَالْمَوْهُومُ فِي بَابِ الصَّيْدِ يَلْحَقُ بِالْمُتَحَقِّقِ احْتِيَاطًا مَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ فِي حَقِّ الْقَائِمِ جَمِيعًا دُونَ الْغَائِبِ
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ أَوْ أَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدْ قَدَّدَ تِلْكَ الصُّيُودُ لَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فِي الْمَاضِي مِنْ الزَّمَانِ وَفِي الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ لَا يَتَحَقَّقُ النِّسْيَانُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا حِينَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ التَّسْمِيَة عِنْد الإرسال للصيد]
قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ مَعَ التَّذَكُّرِ) قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَكَذَلِكَ إذَا أَرْسَلَهُ فِي صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْإِرْسَالِ، فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ الْكُلَّ يَحِلُّ الْكُلُّ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِهِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ذَبَحَ شَاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّبْحَ فِي بَابِ الْكَلْبِ يَحْصُلُ بِالْإِرْسَالِ؛ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَقْتَ الْإِرْسَالِ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ وَاحِدًا تَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ حَصَلَ بِهِ ذَبْحُ صُيُودٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ شَاةً ثُمَّ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ صَارَ مَذْبُوحًا بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَتَأْتِي هَذِهِ الْحَاشِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إخْرَاجُ الدَّمِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي شَرْحِ كِتَابِ الصَّيْدِ إنَّمَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ إذَا أَمْسَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَتَلَهُ إذَا حَصَلَ الْقَتْلُ بِالْجُرْحِ وَالْعَقْرِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ صَدْمًا أَوْ جَثْمًا أَوْ خَنْقًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ فَانْظُرْهُ وَمَا عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي هَذَا الْمُجَرَّدِ وَالْكَسْرُ كَالْخَنْقِ بَعْدَ سَبْعِ قَوْلَاتٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ بِالْجُرْحِ عَادَةً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالْحِلِّ عَلَى مَا صَادَهُ إذَا جَرَحَهُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ يُعْتَبَرُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي مَجْمُوعِ الْعُرُوقِ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِيَارِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْفَصْلِ وَاكْتَفَى بِأَصْلِ الْجُرْحِ فِي مَوْضِعِ الِاضْطِرَارِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute