للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصْطِيَادِ تِلْكَ الصُّيُودِ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الصُّيُودُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَاحِبِهِ فَأَرْسَلَهُ فَصَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكَلْبِ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَوْ أَخَذَ الصَّائِدُ الصَّيْدَ مِنْ الْكَلْبِ وَقَطَعَ لَهُ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَأَكْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا أَلْقَى إلَيْهِ صَاحِبُهُ لَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ، وَهُوَ عَادَةُ الصَّيَّادِينَ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا آخَرَ، وَكَذَا إذَا خَطَفَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَأَكَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ إذْ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ وَقَدْ وُجِدَ فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَه بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّزَهُ الْمَالِكُ لِبَقَاءِ جِهَةِ الصَّيْدِيَّةِ فِيهِ

وَلَوْ نَهَشَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بَضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَشَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى أَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى تِلْكَ الْبَضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضُرُّهُ فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاهِلٌ مُمْسِكٌ عَلَى نَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ نَهْشَ الْبَضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حِيلَةً فِي الِاصْطِيَادِ لِيُضْعِفَهُ بِالْقَطْعِ مِنْهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْهُ فَإِنَّ أَكْلَهَا قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (، وَإِنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا ذَكَّاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدِرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحِلُّ وَلَا يَثْبُتُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَالْبَازِي وَالسَّهْمُ كَالْكَلْبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ أَوْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَوْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ) أَمَّا إذَا لَمْ يُذَكَّ؛ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أَدْرَكَهُ حَيًّا صَارَ ذَكَاتُهُ ذَكَاةَ الِاخْتِيَارِ لِمَا رَوَيْنَا وَبَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى فَبِتَرْكِهِ يَصِيرُ مَيْتَةً، وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرُ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ بِأَنْ بَقَرَ بَطْنَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُضْطَرِبًا اضْطِرَابَ الْمَذْبُوحِ فَحَلَالٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْحَيَاةِ لَا يُعْتَبَرُ فَكَانَ مَيِّتًا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلذَّكَاةِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا ذَكَّاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ الْخَفِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حَتَّى حَلَّتْ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَنَحْوُهَا بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ

وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَحِلُّ إلَّا إذَا كَانَتْ حَيَاتُهَا بَيِّنَةً، وَذَلِكَ بِأَنْ تَبْقَى فَوْقَ مَا يَبْقَى الْمَذْبُوحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ تَكُونَ بِحَالٍ يَعِيشُ مِثْلُهَا لِيَكُونَ مَوْتُهَا مُضَافًا إلَى الذَّكَاةِ وَالسَّهْمُ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ فَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يُؤْكَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ حُكْمًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الذَّبْحِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ فَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَاهَدُ الْمُعَايَنُ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِالذَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ حَيَاتُهُ خَفِيَّةً أَوْ بَيِّنَةً بِجُرْحِ الْمُعَلَّمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ السِّبَاعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] اسْتَثْنَاهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ «فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْك فَأَدْرَكْته حَيًّا فَاذْبَحْهُ» مُطْلَقٌ فَيَتَنَاوَلُ كُلَّ حَيٍّ مُطْلَقًا وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْصِيلًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فَقَالَ إنْ

لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ عَالِمًا بِهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا)، وَهُوَ إجَابَتُهُ إلَى صَاحِبِهِ دَاعِيًا وَمُرْسِلًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ)؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ اسْمٌ لِمُتَوَحِّشٍ غَيْرِ مُحَرَّزٍ وَقَدْ زَالَ التَّوَحُّشُ بِالْقَتْلِ وَزَالَ كَوْنُهُ غَيْرَ مُحَرَّزٍ بِالْإِحْرَازِ فَالْتَحَقَ بِالشَّاةِ وَلَوْ تَنَاوَلَ مِنْ الشَّاةِ لَا يُحْكَمُ بِجَهْلِهِ فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا أَصْلًا. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ) أَيْ حَتَّى مَاتَ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) أَيْ عَلَى حَدِّ الْأَكْلِ إذَا ذَكَّى الصَّيْدَ وَفِيهِ حَيَاةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ غَايَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>