للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا» وَارِثٌ هُوَ عَصَبَةٌ، وَلَفْظَةُ الْعَصَبَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْت أَنْتَ عَصَبَتَهُ» تَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مَا أَبْقَتْهُ الْفَرَائِضُ وَعِنْدَ الِانْفِرَادِ يَجُوزُ جَمِيعُ الْمَالِ، وَوَلَاءُ الْعَتَاقَةِ تَعْصِيبٌ وَهُوَ لَا يَرِثُ مَعَ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ فَكَانَ مُؤَخَّرًا فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِيرَادِ مِنْ حَيْثُ الْمُزَاحِمَةُ لِلْوَارِثِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّشْبِيهَ يُوجِبُ التَّأْخِيرَ أَوْ التَّقْدِيمَ بَلْ يُثْبِتُ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَ إلَّا فَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تُوجِبُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ لَكِنْ أَخَّرْنَاهُ عَنْ الْعَصَبَةِ النِّسْبِيَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: ٧٥] فَجَعَلْنَاهُ مِثْلَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى مَنْ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْعَصَبَةُ وَيَتَأَخَّرُ عَمَّنْ تَتَأَخَّرُ عَنْهُ الْعَصَبَةُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى ثُمَّ الْمُعْتِقُ فَمِيرَاثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ الْمَوْلَى وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْءٌ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِنَّ أَوْ مُعْتِقِ مُعْتَقِهِنَّ» وَلِأَنَّ ثُبُوتَ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقُوَّةُ لِلْمُعْتِقِ حَصَلَ مِنْ جِهَتِهَا فَكَانَتْ مُحْيِيَةً لَهُ فَيُنْسَبُ الْمُعْتَقُ بِالْوَلَاءِ إلَيْهَا وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مَوْلَاهَا الَّذِي أَعْتَقَتْهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى مُعْتَقِ مُعْتَقِهَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ النَّسَبِ حَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الْأَوْلَادُ وَإِنَّمَا تُنْسَبُ إلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَصَاحِبُ الْفِرَاشِ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ نِكَاحًا فَلَا تَكُونُ مَالِكَةً وَالنَّسَبُ فِي النِّكَاحِ بِالْفِرَاشِ وَالْمِلْكِ وَهِيَ لَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ وَفِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ لَيْسَ لَنَا إلَّا النِّسْبَةَ بِسَبَبِ إثْبَاتِ الْقُوَّةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلْمُعْتِقِ وَهِيَ تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ لِمَا أَنَّهَا تُسَاوِيهِ فِي مِلْكِ الْمَالِ فَيُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّجُلِ وَلِهَذَا جُعِلَتْ عَصَبَةً فِيهِ كَالرَّجُلِ.

ثُمَّ أَثْبَتَ هُنَا الْوَلَاءَ لِلنِّسَاءِ فِيمَا أَعْتَقْنَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ وَنَفَاهُ عَنْهُنَّ فِيمَنْ أَعْتَقَهُ غَيْرُهُنَّ حَتَّى لَا يَرِثْنَ الْوَلَاءَ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُوَرِّثُهُنَّ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْعَصَبَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْخِلَافَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَنْ تَتَحَقَّقُ مِنْهُ النُّصْرَةُ وَالنُّصْرَةُ تَتَحَقَّقُ مِنْ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْعَاقِلَةِ لِيَتَحَمَّلْنَ الدِّيَةَ كَمَا يَتَحَمَّلُ الرِّجَالُ لِعَدَمِ النُّصْرَةِ مِنْهُنَّ فَإِذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ فَيَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِرْثِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَبَا مَوْلَاهُ وَابْنَ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ، وَلَوْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَأَخَا مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الْعُصُوبَةِ، وَفِي الْأَوَّلِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يُعْطِي لِلْأَبِ السُّدُسَ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ وَفِي الثَّانِي خِلَافُ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَكَذَا الْوَلَاءُ لِابْنِ الْمُعْتَقَةِ دُونَ أَخِيهَا وَعَقْلُ جِنَايَتِهَا عَلَى أَخِيهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَجِنَايَةُ مُعْتَقِهَا كَجِنَايَتِهَا فَتَكُونُ عَلَيْهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُعْتَقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ مَاتَ فَقَالَ عَلِيٌّ: هُوَ مَوْلَى عَمَّتِي فَأَنَا أَحَقُّ بِإِرْثِهِ؛ لِأَنِّي أَعْقِلُ عَنْهَا وَعَنْهُ وَقَالَ الزُّبَيْرُ: هُوَ مَوْلَى أُمِّي فَأَنَا أَرِثُهَا فَكَذَا أَرِثُ مُعْتِقَهَا فَقَضَى عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْوَلَاءِ لِلزُّبَيْرِ وَبِالْعَقْلِ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتَقُ ابْنَ مَوْلَاهُ وَابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتِقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا وَلَوْ مَاتَ الْمُعْتَقُ وَلَمْ يَتْرُكْ إلَّا ابْنَةَ الْمُعْتِقِ فَلَا شَيْءَ لِبِنْتِ الْمُعْتِقِ فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا كَانُوا يُفْتُونَ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا لَا بِطَرِيقِ الْإِرْثِ بَلْ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْمَيِّتِ فَكَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ وَلَيْسَ فِي زَمَانِنَا بَيْتُ مَالٍ وَلَوْ دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ أَوْ إلَى الْقَاضِي لَا يَصْرِفُهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ظَاهِرًا وَعَلَى هَذَا مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا الِابْنُ وَالْبِنْتُ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَقْرَبُ مِنْهُمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي النِّهَايَةِ وَالذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَصْلٌ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ وَيَعْقِلَ عَنْهُ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَوَالَاهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِأَنَّ ثُبُوتَ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ بَيَانُهُ أَنَّ بِالْعِتْقِ تَحْصُلُ الْقُوَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْعَبْدِ مِنْ جِهَةِ مُعْتِقِهِ، فَإِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ هِيَ الْمَرْأَةَ يُنْسَبُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ وَمَنْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقَتْهُ الْمَرْأَةُ إلَيْهَا بِالْوَلَاءِ حَيْثُ يُقَالُ مُعْتِقُ فُلَانَةَ وَمُعْتِقُ مُعْتِقِ فُلَانَةَ فَإِذَا ثَبَتَ نِسْبَتُهُمَا إلَى الْمَرْأَةِ بِالْوَلَاءِ وَرِثَتْهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ) وَلَا شَيْءَ لِلْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الِابْنَ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ وَالْوَلَاءُ بِالْعُصُوبَةِ وَلَا يَظْهَرُ عُصُوبَةُ الْأَبِ مَعَ الِابْنِ اهـ أَتَّقَانِي (قَوْلُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْجَدِّ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ وَعِنْدَهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُقَاسِمُ الْإِخْوَةَ كَأَحَدِهِمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ خَمْسَةَ بَنِي ابْنِ الْمُعْتِقِ وَابْنِ ابْنِ الْمُعْتِقِ مِنْ آخَرَ فَالْمِيرَاثُ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالْعُصُوبَةِ وَعُصُوبَتُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

(قَوْلُهُ فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَخَّرَ ذِكْرَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عَنْ ذِكْرِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ خِلَافٌ وَلِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُهُ اهـ قَوْلُهُ وَوَلَاءُ الْمُوَالَاةِ يَقْبَلُهُ قَالَ الْكَاكِيُّ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْعَقْلِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>