للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا زُوِّجَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَبَاطِلٌ لِعَدَمِ مُصَادَفَةِ الْمَحِلِّ

[تَزَوَّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى]

وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرٌ، وَالْآخَرَ أُنْثَى، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا ذَكَرَانِ أَوْ أُنْثَيَانِ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَلَا يَتَوَارَثَانِ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّبَيُّنِ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَا يَجْرِي إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ.

وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْبُوبِ وَالرَّتْقَاءِ إذَا قُذِفَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجُلًا فَهُوَ كَالْمَجْبُوبِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَامِعَ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ كَالرَّتْقَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُجَامَعُ

وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قَطَعَ هُوَ يَدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ هُوَ يَدَ عَبْدٍ أَوْ قَطَعَهُ عَبْدٌ أَوْ كَانَ هُوَ رَقِيقًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَ أَوْ قُتِلَ هُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ بِالرِّقِّ وَلَا بِالْأُنُوثَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَفِي الشَّهَادَةِ يُجْعَلُ أُنْثَى لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسَائِلُ شَتَّى) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ كِتَابَتُهُ وَإِيمَاؤُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْفَصْلَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا أَوْ عَارِضًا كَالْوَحْشِيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ لَنَا أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً، وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ، وَصَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْلُومَةٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ.

، وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهِ، وَلِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِيِّ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِي الْآبِدِ عَرَّفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ بَعِيرًا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ نَدَّ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَسَمَّى فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ لَهَا أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا فَعَلَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلُوا بِهَا كَمَا فَعَلْتُمْ بِهَذَا ثُمَّ كُلُوهُ» ثُمَّ قَدَّرَ الِامْتِدَادُ هُنَا التُّمُرْتَاشِيُّ بِسَنَةٍ.

وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ إنْ دَامَتْ الْعَقْلَةُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِذَا كَانَ إيمَاءُ الْأَخْرَسِ، وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ، وَهُوَ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ حَتَّى يَجُوزَ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ.

لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَكُونُ بَيَانًا مِنْ الْقَادِرِ فَمَا ظَنُّك مِنْ الْعَاجِزِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ أَفْصَحَ الْعَرَبِ، وَمَعَ هَذَا أَنْبَأَ بِالْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ «الشَّهْرُ هَكَذَا» الْحَدِيثَ، وَالْكِتَابَةُ مِمَّنْ نَأَى بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِمَّنْ دَنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلَّغَ الرِّسَالَةَ إلَى الْغُيَّبِ بِالْكِتَابَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا بَلَّغَهُمْ بِالْعِبَارَةِ فَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ عِنْدَ الْعَجْزِ فَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ أَوْلَى لِأَنَّ عَجْزَهُ أَظْهَرُ وَأَلْزَمُ عَادَةً لِأَنَّ الْغَائِبَ يَقْدِرُ عَلَى الْحُضُورِ بَلْ يَحْضُرُ ظَاهِرًا، وَالْأَخْرَسُ لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ.

وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى الدَّوَامِ ثُمَّ الْكِتَابُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي تَسْيِيرِ الْكِتَابِ فَيَكُونُ هَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً، وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ لَغْوًا لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْقِيقِ.

وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ، وَقِيلَ الْإِمْلَاءُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ نَوَى قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فِي حَدٍّ) أَيْ لَا تَكُونُ إشَارَتُهُ وَكِتَابَتُهُ كَالْبَيَانِ فِي الْحُدُودِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ لِكَوْنِهَا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهَا.

وَلَعَلَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْقَاذِفِ إنْ قُذِفَ هُوَ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِطَلَبِهِ الْحَدَّ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقَاذِفَ فَقَذْفُهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَالْحَدُّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ مِيرَاث الْخُنْثَى]

قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى آخَرَ إلَخْ) قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ لَوْ زُوِّجَ الْخُنْثَى مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ آخَرَ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُمَا. اهـ.

[حَدّ قاذف الْخُنْثَى]

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ) وَلَا حَدَّ فِي قَذْفِ الرَّتْقَاءِ اهـ مِعْرَاجٌ

(قَوْلُهُ وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ الْقَاطِعُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً. اهـ.

[مَسَائِلُ شَتَّى]

[إيمَاءُ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتُهُ]

(قَوْلُهُ مَسَائِلُ شَتَّى) أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كُلِّ بَابٍ يُقَالُ شَتَّى وَشَتَّانَ قَالَ تَعَالَى {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر: ١٤] أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ وَإِيرَادُ مَسَائِلَ شَتَّى فِي آخِرِ الْكُتُبِ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ مُسْتَبِينٌ) وَهُوَ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَرْسُومٌ) الْمَقْصُودُ مِنْ الْمَرْسُومِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي إظْهَارِ الْأَمْرِ عُرْفًا كَالْكُتُبِ الْمُعَنْوَنَةِ وَالْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَالْقِصَصِ وَنَحْوِهَا اهـ يَحْيَى (قَوْلُهُ وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ) وَهُوَ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ اهـ.

(قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّسْمِ) أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعْتَادِ فِي إثْبَاتِ الْمَقَاصِدِ كَمَا يُكْتَبُ عَلَى الْكَاغَدِ لِتَجْرِبَةِ الْمِدَادِ أَوْ الْقَلَمِ أَوْ الْخَطِّ وَنَحْوِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَالنِّيَّةِ) فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ يُبَيِّنُ نِيَّتَهُ بِكِتَابَتِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>