للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الْقَصِيلِ وَالْجِدَادِ بُسْرًا فَصَارَ كَالْحَصَادِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ لُغَةً قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ مُعَاقَدَةُ دَفْعِ الْأَشْجَارِ إلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا عَلَى أَنَّ الثَّمَرَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي فِي الْعُرْفِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ) حَتَّى لَا تَجُوزَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْمُزَارَعَةِ وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ وَشُرُوطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُضِيِّ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ حَيْثُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ إذَا امْتَنَعَ، وَالثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالثَّالِثُ إذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْمُزَارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ، وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْمُدَّةَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ وَقْتَ إدْرَاكِ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ، وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ، وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ، وَالِانْتِهَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ غَرْسًا قَدْ نَبَتَ وَلَمْ يُثْمِرْ بَعْدَ مُعَامَلَةٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِقُوَّةِ الْأَرَاضِي وَضَعْفِهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ مِنْهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَ نَخِيلًا، أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا وَنَبْتُهَا لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَتَى يَنْقَطِعُ النَّخِيلُ أَوْ الرَّطَبَاتُ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ تَنْمُو مَا دَامَتْ مُتَرَكِّبَةً فِي الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ، وَلَمْ يَزِدْ، قَوْلَهُ " حَتَّى تَذْهَبَ " بِخِلَافِ مَا إذَا أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ حَيْثُ يَجُوزُ وَيَنْصَرِفُ إلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ

وَالْفَرْقُ أَنَّ ثَمَرَ النَّخِيلِ لِإِدْرَاكِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ فِي الرَّطْبَةِ أَوَّلُ جِزَّةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَتَى يُجَزُّ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا جَازَ لِعَدَمِ الْجَهَالَةِ فَصَارَ كَبَذْرِهِ وَثِمَارِ النَّخْلِ وَلَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخِيلِ وَلَمْ يُثْمِرْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ انْقَضَتْ الْمُعَامَلَةُ فِيهَا لِانْتِهَاءِ مُدَّتِهَا فَإِنْ سَمَّيَا فِيهَا مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّ الثَّمَرَ لَا يَخْرُجُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الثِّمَارِ، وَإِنْ ذَكَرَا مُدَّةً مُحْتَمِلَةً لِطُلُوعِ الثَّمَرِ فِيهَا جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ، ثُمَّ إنْ خَرَجَ فِي الْوَقْتِ الْمُسَمَّى فَهُوَ عَلَى الشَّرِكَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الذَّهَابَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعَقْدَ كَانَ فَاسِدًا فَيَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَا شَيْءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ فِي الشَّجَرِ وَالْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَلَا تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ إلَّا تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَاهُمَا لِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُزَارَعَةِ: وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُمَا بِالْأَثَرِ وَهُوَ حَدِيثُ خَيْبَرَ وَقَدْ خَصَّهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ وَالْمُسَاقَاةُ أَشْبَهُ بِهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ فَإِنَّ فِيهَا الشَّرِكَةَ فِي الزِّيَادَةِ دُونَ الْأَصْلِ - وَهُوَ النَّخِيلُ - كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

لِلْأَرْضِ فَإِذَا شَرَطَ عَمَلَ صَاحِبِهِ لَمْ يُسَلَّمْ مَا آجَرَ وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَاشْتَرَطَ عَمَلَهُ فَلَمْ يُخَلِّ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُزَارَعَةِ التَّخْلِيَةُ وَصَارَ كَالْمُضَارَبَةِ إذَا شُرِطَ فِيهَا عَمَلُ رَبِّ الْمَالِ أَنَّهَا تَفْسُدُ فَكَذَلِكَ الْمُزَارَعَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ. اهـ. .

[كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ]

(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْمُسَاقَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُعَامَلَةِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ لُغَاتٌ يَخْتَصُّونَ بِهَا فَيَقُولُونَ لِلْمُزَارَعَةِ: مُخَابَرَةً وَلِلْإِجَارَةِ بَيْعًا وَلِلْمُضَارَبَةِ مُقَارَضَةً وَلِلصَّلَاةِ سَجْدَةً، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ فَإِذَا اشْتَرَطَ فَسَدَتْ الْمُعَامَلَةُ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَوْ اشْتَرَطَ شَيْئًا عَلَى الْمُسَاقِي مِمَّا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ وَرَاءَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، نَحْوُ إلْقَاءِ السِّرْقِينِ وَنَصْبِ الْعَرَائِشِ وَتَقْلِيبِ أَرْضِ الْغِرَاسِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ فَاسِدَةٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَطَ قَطْفَ الْعِنَبِ عَلَى الْعَامِلِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمُعَامَلَةَ فَإِذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ فِي بَيَانِ الْمُدَّةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُزَارَعَةِ وَفِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَرْضَ مُعَامَلَةً فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَعَلَى جَوَازِ الِاسْتِحْسَانِ فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فَأَوْقَعَ الْمُعَامَلَةَ عَلَى ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَا أَوْقَعَ الْمُزَارَعَةَ عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْبَذْرُ بِالذَّالِ مَا يُبْذَرُ وَالْبَزْرُ بِالزَّايِ بَزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ سَمَاعُنَا هَذَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالذَّالِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَذْهَبَ أُصُولُهَا) أَيْ فَمَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَنَبْتُهَا) أَيْ يَنْقَطِعَ نَبْتُهَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ) إلَّا إنْ بَيَّنَا الْمُدَّةَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ) يَعْنِي لَمْ يُبَيِّنْ مُدَّةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَزِدْ قَوْلَهُ حَتَّى تَذْهَبَ) أَيْ فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ فَاسِدَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّطْبَةِ جِزَّةٌ مَعْلُومَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً جَازَتْ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.

[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لَا تَجُوزُ إلَخْ) وَفِي الْقَدِيمِ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ لَهَا ثَمَرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>