للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاسْتِحَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ، وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ لِلِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا، وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَجَّسَتْ مِمْسَحَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ.

[سُلْطَان جَعَلَ الخراج لِرَبِّ الْأَرْض]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُلْطَانٌ جَعَلَ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ الْعُشْرَ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ. وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَتْوَى

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْخَرَاجِ إذَا عَجَزُوا عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِهِمْ بِالْأُجْرَةِ أَيْ يُؤَجِّرُ الْأَرَاضِيَ لِلْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ، وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يَدْفَعُهُ إلَى أَصْحَابِهَا، وَهُمْ الْمُلَّاكُ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مُلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتِلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا يُفَوِّتُ حَقَّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ يُفَوِّتُ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ، وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ إذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ، وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ فِي الدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُهَا لَكِنْ يَأْمُرُ مُلَّاكَهَا بِبَيْعِهَا، وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ أَنَّ فِي هَذَا إلْزَامَ ضَرَرٍ خَاصٍّ لِنَفْعِ الْعَامِّ، وَلِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامِّ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الطَّبِيبِ الْمَاجِنِ، وَالْمُفْتِي الْجَاهِلِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْعَامَّةِ فَكَذَا ضَرَرُ تَعْطِيلِ الْخَرَاجِ يَرْجِعُ إلَى الْعَامَّةِ فَجَازَ مَا ذَكَرْنَا لِدَفْعِهِ، وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ فَصَارَ كَدَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَدَيْنِ الْمَيِّتِ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِيهِمَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِالرَّقَبَةِ فَكَذَا هَذَا، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَهْلَ الْخَرَاجِ إذَا هَرَبُوا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ عَمَرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْغَلَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى قَوْمٍ، وَأَطْعَمَهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَكَانَ مَا يَأْخُذُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالْمِلْكَ عَلَى أَرْبَابِهَا فَإِذَا عَمَرَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَكُونُ قَدْرُ مَا يُنْفِقُ فِي عِمَارَتِهَا قَرْضًا لِأَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِتَثْمِيرِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ لَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ صَحَّ، وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ) مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَاهُ نَاوِيًا عَنْهُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا جَازَ، وَكَذَا لَوْ صَامَ، وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ، وَكَذَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَيْضًا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا، وَلَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ.

وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةً كَذَا عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَكَذَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا مَثَلًا، وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَعَيَّنَتْ بِتَعْيِينِهِ، وَكَذَا الْوَقْتُ تَعَيَّنَ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا، فَإِنْ نَوَى أَوَّلَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى فَمَا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا أَيْضًا فَيَدْخُلُ فِي نِيَّتِهِ أَوَّلُ ظُهْرٍ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَكَذَا ثَالِثًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى، وَكَذَا الْآخِرُ، وَهَذَا مَخْلَصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْهُ لِأَنَّ فَرْضًا مِنْ الْفُرُوضِ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ فَرْضٍ آخَرَ فَلِهَذَا وَجَبَ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِهَذَا يَكُونُ التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحِلَّهُ يَكُونُ لَغْوًا.

وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، وَالصَّلَوَاتُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ) أَيْ صَاحِبَ الْأَرْضِ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلْخَرَاجِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَثَلًا صَحَّ تَرْكُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحِلُّهُ. اهـ. يَحْيَى

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمُمَلَّكَةَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَخْ) الْإِمَامُ يَدْفَعُهُمَا مُزَارَعَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً يُؤَجِّرُهَا وَيَكُونُ الْأَجْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ يُؤَدِّي مِنْهُ الْخَرَاجَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا يَبِيعُهَا وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِرَبِّ الْأَرْضِ يُؤَدِّي مِنْهُ الْخَرَاجَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهَا يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِقْدَارَ مَا يَعْمُرُهَا بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَثْمِيرِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِأَيِّ وَجْهٍ يَتَهَيَّأُ فَإِنْ أَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يَأْخُذَهَا لِنَفْسِهِ يَبِيعُهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرِي كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ.

(قَوْلُهُ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلِ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَطْعَمَهُمْ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ. اهـ.

[نَوَى قَضَاء رَمَضَان وَلَمْ يعين الْيَوْم]

(قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يَجُوزَ فِي رَمَضَانَ إلَخْ) لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>