وَالْمُؤَقَّتِ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ مُعْتَقِ الْبَعْضِ أَوْ بِلُزُومِ ثَمَنٍ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ بِجَوَازِ نِكَاحِ الْجَدَّةِ أَوْ امْرَأَةِ الْجَدِّ أَوْ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ جَنِينٍ ذُبِحَتْ أُمُّهُ وَمَاتَ فِي بَطْنِهَا أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ إبْطَالِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَوَدِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ جُمْلَةً أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى حُبْلَى أَوْ حَائِضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ.
كُلُّ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا، وَلَا يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى، لَوْ قَضَى بِجَوَازِهِ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَضِيَّةٍ فِي عَصْرٍ، ثُمَّ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي عَصْرٍ آخَرَ بَعْدَهُمْ هَلْ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَمْ لَا فَعِنْدَهُ يَرْتَفِعُ فَلَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الْمُتَقَدِّمِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْتَفِعُ فَيَكُونُ خِلَافُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَرْتَفِعُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِيهِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ ضَعِيفٌ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ لِضَعْفِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْأَمْلَاكِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُهَا مُعَيَّنًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَكَمَا إذَا قَضَى بِنِكَاحٍ لِرَجُلٍ عَلَى امْرَأَةٍ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ أَوْ مُعْتَدَّتَهُ وَكَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ شَاهِدَكِ زَوَّجَاكِ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَوْ لَمْ يَنْفُذْ بَاطِنًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَبْدٍ مُعْتَقِ الْبَعْضِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِدَامَةُ الرِّقِّ فِيهِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا قَالَ بَعْضُهُمْ يَخْرُجُ إلَى الْعِتْقِ بِالسِّعَايَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِحِلِّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَظِيرُ خِلَافِ الْإِجْمَاعِ مَا إذَا قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ كَانَ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ اخْتِلَافُ الشَّافِعِيِّ. اهـ. .
[الْقَضَاء بِشَهَادَةِ الزُّور]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُرَادُ بِنَفَاذِ الْحُكْمِ ظَاهِرًا أَنْ يَثْبُتَ فِيمَا بَيْنَنَا مِثْلَ ثُبُوتِ التَّمْكِينِ وَالنَّفَقَةِ وَالْقَسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ مِنْ نَفَاذِهِ بَاطِنًا ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ النَّفَاذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِيمَا إذَا كَانَ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ الْمُطْلَقَةِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ بِدُونِ سَبَبٍ وَفِي الْأَسْبَابِ كَثْرَةٌ فَتَعَذَّرَ تَعْيِينُ سَبَبٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذُكِرَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ أَيْ الْمُطْلَقَةِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ كُفَّارًا يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَحَلَفَ وَقَضَى بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ بَاطِنًا فِي الطَّلَاقِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَقْدٍ وَلَا فَسْخٍ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهِ الزَّوْجُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كُلُّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ فِي الْبَاطِنِ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا اتِّفَاقًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ وَطْؤُهَا اهـ.
(قَوْلُهُ فَقَالَ لَا يَنْفُذُ إلَّا ظَاهِرًا، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ تَصْحِيحَ الْقَضَاءِ عَلَى وِفَاقِ الْحُجَّةِ وَهَذِهِ الْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَتْ وَالْكَذِبُ بَاطِلٌ، فَلَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بَاطِنًا، وَلَكِنَّ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ دَلِيلُ الصِّدْقِ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَتْ حُجَّةً مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْعَمَلِ ظَاهِرًا فَأَمَّا ثُبُوتُ حَقِيقَةِ التَّنْفِيذِ فَمُمْتَنِعٌ لِانْعِدَامِ دَلِيلِهِ، وَهُوَ الْحُجَّةُ الصَّحِيحَةُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُجَّةَ الْقَضَاءِ قَامَتْ وَافْتُرِضَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الصِّدْقِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فِي حَقِّ الْقَاضِي، وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ فَصَارَتْ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ وَبَقِيَتْ الْعِبْرَةُ دَلِيلَ الصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْعَدَالَةُ، فَإِذَا وُجِدَ فَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْعَمَلَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِهَادِ يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، فَإِذَا بَنَى الْقَاضِي الْقَضَاءَ عَلَى مَا جُعِلَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلًا يَجِبُ صَوْنُ قَضَائِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ مُضَافًا إلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] وَقَالَ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢]، فَإِذَا قَضَى بِمَا رَضِيَ مِنْ الشُّهَدَاءِ فَقَدْ قَضَى بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُودِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ التَّمْكِينُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يَجْحَدُ.
وَمِنْهَا إذَا قَضَى بِالْبَيْعِ بَيْنَهُمَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّك بِعْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَيَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَصُورَةُ الْقَضَاءِ فِي الْفُسُوخِ كَثِيرَةٌ أَيْضًا مِنْهَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ فَفَسْخَ الْقَاضِي يَحِلُّ لِلْبَائِعِ وَطْءُ الْجَارِيَةِ وَمِنْهَا إذَا ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي الْوَطْءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute