للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ، أَوْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَمْنَعُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ غَصَبَك مِنْ النَّاسِ، أَوْ بَايَعَك، أَوْ قَتَلَك فَأَنَا كَفِيلٌ لَك عَنْهُ، أَوْ قَالَ مَنْ غَصَبْته أَنْتَ أَوْ قَتَلْته فَأَنَا كَفِيلٌ لَهُ عَنْك لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ عَنْهُ يَسِيرَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ، فَالتَّعْيِينُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا) يَعْنِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ كَنُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ عُلِّقَ بِهِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَهَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ كَالْكَفَالَةِ بِالْمَالِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيَجُوزُ تَأْجِيلُهَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَالْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ فِيهَا مُتَحَمَّلَةٌ كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْقِطَافِ وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَلَا يَجُوزُ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ، أَوْ نُزُولِ الْمَطَرِ، فَإِنْ أَجَّلَهُ إلَيْهِ بَطَلَ الْأَجَلُ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُ النَّفْسِ حَالًّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ كَفَلَ بِمَالِهِ عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) يَعْنِي إذَا تَكَفَّلَ رَجُلٌ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْكَفِيلَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الطَّالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَلَا عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا أَقَرَّ بِحَلِفِهِ وَلَا يَنْفُذُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ عَلَى الْكَفِيلِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْكَفِيلُ بِشَيْءٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَادَّعَى الطَّالِبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ قَوْلُهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

أَوْ لَا أُعْطِيك فَالْمَالُ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ إنْ تَقَاضَيْت فَلَمْ يُعْطِك فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ فَمَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ التَّقَاضِي بَطَلَ عَنْ الضَّمَانِ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مَا بَايَعْت فُلَانًا فَعَلَيَّ فَبَايَعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ مَا بَايَعَهُ بَعْدَهُ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْأَجْنَاسِ وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَصْلِ رَجُلٌ قَالَ لِلْمُودِعِ إنْ أَتْلَفَ الْمُودَعُ وَدِيعَتَك أَوْ جَحَدَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك صَحَّ وَلَوْ قَالَ إنْ قَتَلَك أَوْ ابْنَك فُلَانٌ خَطَأً فَأَنَا ضَامِنٌ صَحَّ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ بِخِلَافِ إنْ أَكَلَك سَبُعٌ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ مُلَائِمًا كَأَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَكْفُولٍ عَنْهُ أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيقُ، وَكَذَا إذَا جُعِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَجَلًا يَعْنِي مِنْ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ كَأَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ أَوْ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَطَرُ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ تَثْبُتُ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَلَّقَهُمَا بِهِمَا نَحْوُ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ فَقَدْ كَفَلْت لَك بِمَا لَك عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ أَصْلًا وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ الْحَصَادَ وَالدِّيَاسَ أَوْ الْمِهْرَجَانَ أَوْ الْعَطَاءَ أَوْ صَوْمَ النَّصَارَى جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَالتَّأْجِيلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا يَصِحُّ مَعَ الْكَفَالَةِ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ الْقَوْمُ مَا بَايَعْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ فَهُوَ عَلَيَّ لَزِمَهُ دَيْنُ مَنْ خَاطَبَهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ دَيْنُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مَعْلُومُونَ وَغَيْرَهُمْ مَجْهُولُونَ اهـ.

(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْمَكْفُولِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ قُبَيْلَ فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ مَنْ بَايَعَك بِشَيْءٍ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ مَنْ بَايَعَك مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَشَارَ إلَى قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مَعْدُودِينَ فَأَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِثَمَنِهِ جَازَ اهـ. .

[تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ]

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ) اعْلَمْ أَنَّ نُسَخَ الْمَتْنِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَفِي نُسْخَةٍ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا شَاهَدْته فِي خَطِّهِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَعَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ يَكُونُ مَا نَسَبَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ السَّهْوِ لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي مَنْسُوبًا لِعِبَارَةِ الْكَنْزِ وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَجَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَكَذَا وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَإِنْ جُعِلَ أَجَلًا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا وَلَا سَهْوَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَلَّقَ بِهِ تَصِحُّ) كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَأَنَا ضَامِنٌ أَوْ إنْ نَزَلَ الْمَطَرُ فَأَنَا كَفِيلٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَلَّدَ صَاحِبَ الْمَبْسُوطِ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ بِهِ التَّأْجِيلَ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِّ اهـ.

دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَ الْأَجَلَ فِي الْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ لَا يَصِحُّ) كَمَا إذَا قَالَ كَفَلْت بِكَذَا إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ أَوْ تَهُبَّ الرِّيحُ اهـ.

(قَوْلُهُ لَزِمَ الْكَفِيلَ) لِأَنَّهُ أَيْ الْكَفِيلَ ضَمِنَ بِمَا عَلَيْهِ وَقَدْ ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفٌ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عِيَانًا فَصَارَ كَأَنَّهُ ضَمِنَ بِالْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ عَنْ وِلَايَةٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا عَجَزَ الطَّالِبُ عَنْ الْبَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ فِي مِقْدَارِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ مَجْهُولٌ لَزِمَهُ بِقَوْلِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَوْلُ الْكَفِيلِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ فِيمَا كَانَ هُوَ خَصْمًا فِيهِ وَالشَّيْءُ مِمَّا يَصِحُّ بَذْلُهُ كَانَ الْقَوْلُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَعْتَرِفُ بِهِ الْكَفِيلُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْكَفِيلِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ تَضَمَّنَ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَلَى الْكَفِيلِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْكَفِيلِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قَسِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>