للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَزْرَعُهَا فَزَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَرَاحِ وَنَصْبِ الْخِيَمِ، وَكَذَا مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ فَبَعْضُهُ أَقَلُّ ضَرَرًا بِهَا مِنْ بَعْضٍ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا وَيُبَيِّنَ جِنْسَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا فَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ جَائِزًا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيَنْقَلِبُ جَائِزًا كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ قَبْلَ مَجِيئِهِ وَالْخِيَارَ الزَّائِدَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ مَجِيءِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَى مَكَّةَ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ فَحَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ فَنَفَقَ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالصَّحِيحِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ فَلَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يَتَعَدَّ، فَإِذَا تَعَدَّى ضَمِنَ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ بَلَغَ مَكَّةَ فَلَهُ الْمُسَمَّى) لِأَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِجَهَالَةِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَإِذَا حَمَلَ شَيْئًا يُحْمَلُ عَلَى مِثْلِهَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ فَانْقَلَبَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلْفَسَادِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَشَاحَّا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ نُقِضَتْ الْإِجَارَةُ دَفْعًا لِلْفَسَادِ) إذْ الْفَسَادُ بَاقٍ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ بِالتَّعْيِينِ بِالزَّرْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَبِالْحَمْلِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً، ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِمَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) الْأُجَرَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَجِيرٌ خَاصٌّ وَأَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ) مَعْنَاهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَصَّ بِوَاحِدٍ عَمِلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ (وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِغَيْرِ وَاحِدٍ بَلْ) إذَا عَمِلَ لِوَاحِدٍ أَيْضًا فَهُوَ مُشْتَرَكٌ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ مَنْ يَكُونُ عَقْدُهُ وَارِدًا وَعَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَيَانِ مَحِلِّهِ لِيَسْلَمَ مِنْ النَّقْضِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ مَنْ يَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَى مَنَافِعِهِ وَلَا تَصِيرُ مَنَافِعُهُ مَعْلُومَةً إلَّا بِذِكْرِ الْمُدَّةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَسَافَةِ وَمَنَافِعُهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَإِذَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةٌ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِإِنْسَانٍ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إيجَابِهَا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِيهِ هُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ بِعَمَلِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ الْمُدَّةَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَقَبُّلُ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ نَظِيرُ السَّلَمِ مَعَ بَيْعِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَمَّا كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ قَبُولُ السَّلَمِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْبَيْعُ لَمَّا كَانَ يُلَاقِي الْعَيْنَ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَا بَاعَهُ فَلِهَذَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْأَوَّلُ أَجِيرٌ وَاحِدٌ وَأَجِيرٌ خَاصٌّ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ بَاعَ شَيْئًا إلَى الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ ثُمَّ أَسْقَطَا الْأَجَلَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ أَوَانِ الْحَصَادِ أَوْ الدِّيَاسِ انْقَلَبَ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَمَا فِي الصَّرْفِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْأَجَلِ إذَا أُسْقِطَ ذَلِكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْتَمِلُ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَصَمَا رَدَدْت الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَصِيرَ الْعَمَلُ مَعْلُومًا فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَسَدَ الْعَقْدُ فَأَرَادَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ اخْتِصَامِهِمَا، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّاهُ مِنْ الْكِرَاءِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا التَّعْيِينَ بِالْفِعْلِ كَالتَّعْيِينِ بِالْقَوْلِ فِي حَالَةٍ لَهَا حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ يَنْعَقِدُ عِنْدَ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ عَيَّنَ فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّ فَكَذَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فَالْقَاضِي يَنْقُضُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ مَا لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ، فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ حَمَلَ مَا يَحْمِلُ النَّاسُ وَأَرَادَ بِهِ الْحَمْلَ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَمَلَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ فَهَلَكَ الْحِمَارُ يَجِب أَنْ يَضْمَنَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ فِي الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِذْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُعْتَادَ وَالْعَيْنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ يُوجَدُ مِنْ الصَّحِيحِ فَفِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْخِلَافُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ فَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ فَكَيْفَ، وَقَدْ انْقَلَبَ الْعَقْدُ جَائِزًا بِالْحَمْلِ الْمُعْتَادِ اسْتِحْسَانًا اهـ أَتْقَانِيٌّ

[بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ]

(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْأَجِيرُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ مِنْ بَابِ آجَرَ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُؤَجِّرٌ لَا مُؤَاجِرٌ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ اهـ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَةِ صَحِيحِهَا وَفَاسِدِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>