للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ فَكَانَتْ مِنْك زَلَّةٌ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ إجَارَةَ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا جَازَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ الْجِنْسِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ يَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْقَاعِدَةِ فَقَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا الْعَقْدُ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَلَمْ يَبْقَ دَيْنًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّسِيئَةُ؟.

فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِجَارَةَ أُجِيزَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِئْجَارِ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي بِمَا عِنْدَهُ مِنْهَا فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا كَذَلِكَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لَيْسَتْ عِنْدَهُ بَاقِيَةٌ، ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَنْفَعَةِ بِالتَّسْمِيَةِ وَالْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى مَنْفَعَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْأَجْرَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُ فَيَكُونُ بَيْعَ الْمَوْجُودِ بِالْمَوْجُودِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ بَيْنَهُمَا فَلَا أَجْرَ لَهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ) أَيْ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ صَاحِبَهُ لِحَمْلِ طَعَامٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرَ الْمِثْلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَتَجُوزُ فِي الشَّائِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَالْعَيْنِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِيَضَعَ فِيهَا الطَّعَامَ أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا لِيَخِيطَ لَهُ الثِّيَابَ وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمْلُ النِّصْفِ شَائِعًا وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ، وَلِهَذَا يَحْرُمُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَضُرٌّ بِهَا؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ حِسِّيَّانِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا فِي الشَّائِعِ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَرُمَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ فَيُحْتَمَلُ وُرُودُهُ عَلَى الشَّائِعِ وَإِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ أَصْلًا وَلِأَنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ لَهُ وَإِلَّا وَهُوَ شَرِيكٌ فِيهِ فَيَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ تَسْلِيمَ عَمَلِهِ إلَى غَيْرِهِ وَبِدُونِ التَّسْلِيمِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِخِلَافِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْمَنْفَعَةُ وَيَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُهَا بِدُونِ وَضْعِ الطَّعَامِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ إيقَاعُهُ فِي الشَّائِعِ، وَبِخِلَافِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ يَجِبُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِيهِ لِعَجْزٍ عَنْ التَّسْلِيمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْعَقْدُ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا، فَإِذَا تَحَقَّقَ اسْتِيفَاءُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَجَبَ الْأَجْرُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَصْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَامِلًا لِغَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ كَرَاهِنٍ اسْتَأْجَرَ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ يَعْنِي لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الشَّرِيكِ هُنَا كَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ اسْتِئْجَارُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَالْمُرْتَهِنُ لَيْسَ بِمَالِكٍ حَتَّى يُؤَجِّرَهُ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَالْمُرْتَهِنُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنَافِعِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا إذْ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ مُحَالٌ وَالرَّاهِنُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالِكٌ لَهُ إذْ الْمِلْكُ هُوَ الْمُطْلَقُ لِلتَّصَرُّفِ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ بِسَبَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُ بِالْإِيجَارِ لَهُ صَارَ مُنْتَفِعًا بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَزْرَعُهَا أَوْ أَيَّ شَيْءٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَجَالَسْت الْحِنَّائِيَّ) الْحِنَّائِيُّ رَجُلٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ كَذَا نُقِلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْأَتْقَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.

(قَوْلُهُ الْحِنَّائِيُّ) اسْمُ رَجُلٍ مُحَدِّثٍ يُنْكِرُ الْخَوْضَ عَلَى ابْنِ سِمَاعَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ مُجَالَسَتَهُ إيَّاهُ زَلَّةً هَذَا كُلُّهُ شَطَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الشِّلْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْأَحْمَرِ وَهِيَ حَاشِيَةٌ كَتَبَهَا الشَّارِحُ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً) يَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسَاءً إنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا كَافٍ لِحُرْمَةِ النَّسَاءِ وَهُوَ الْجِنْسُ فِي الْقُوهِيِّ فَكَذَا فِي الْمَنَافِعِ إذَا اتَّفَقَتْ وُجِدَ الْجِنْسُ فَيَحْرُمُ النَّسَاءُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ، - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُمْلَكُ لِلْحَالِ بَلْ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّأْخِيرُ ثَبَتَ مَعْنَى النَّسَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَهُ الْمُسَمَّى) أَيْ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي مَحَلٍّ هُوَ مِلْكُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ أَرْضَاهُ الْأَجِيرُ فَيَجِبُ الْأَجْرُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ فِي الشَّائِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَازُ نَصِيبُ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَكُلُّ جُزْءٍ فَرَضْته فِي الشَّائِعِ فَلِلْعَامِلِ فِيهِ نَصِيبٌ فَيَكُونُ عَامِلًا فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَأْجِرُ إنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ لَهُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا أَجْرَ لِلْعَامِلِ لِنَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يُؤَاجِرُ الْأَرْضَ وَلَمْ يُسَمِّ أَنَّهُ يَزْرَعُ فِيهَا شَيْئًا قَالَ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ، فَإِنْ اخْتَصَمَا قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا أَفْسَدَتْهَا، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى. إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الْقُدُورِيُّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَا تُحْتَمَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَائِدَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ، وَإِنْ زَرَعَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ فَلَهُ الْأَجْرُ الَّذِي سَمَّى اهـ أَتْقَانِيٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>