للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ تُذْكَرْ الْيَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى

{بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ} قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ يَدُ الْمَالِكِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ الرَّهْنُ بَعْدَ الْهَلَاكِ وَبَعْدَ مَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَتَهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ فَانْعَدَمَ الْقَبْضُ. وَلَنَا أَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمَالِكِ فِي الْحِفْظِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ أَمَانَةً وَفِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ ضَمَانٍ وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمَالِيَّةُ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ شَخْصَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَا قَصَدَاهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آمِرُهُ فَصَارَتْ يَدُهُ كَيَدِهِمَا وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْيَدَ الْوَاحِدَةَ فِي حُكْمِ يَدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّاعِيَ يَدُهُ جُعِلَتْ كَيَدِ الْفَقِيرِ وَيَدِ صَاحِبِ الْمَالِ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ الزَّكَاةُ فِي يَدِهِ أَجْزَأَتْهُ، وَلَوْ قَدَّمَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَانْتَقَصَ الْمَالُ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى النَّاقِصِ يَتِمُّ النِّصَابُ بِمَا فِي يَدِ السَّاعِي كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَهُ، وَلَوْ لَمْ يُجْعَلْ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَالِكِ لَمْ يَتِمَّ بِهِ النِّصَابُ

وَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ يَدُهُ كَيَدِ الْفَقِيرِ لَمَلَكِ اسْتِرْدَادَهُ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الْمَالِكِ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الضَّمَانَ ضَمَانُ الْغَصْبِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الْعَدْلِ وَالرَّاهِنِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى وَضْعِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ عَدْلٍ حَيْثُ يَكُونُ يَدُهُ يَدَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْ الْمُشْتَرِي تَغْيِيرَ مُوجِبِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ تَكُونَ يَدُ الْبَائِعِ عَلَى الْمَبِيعِ يَدَ نَفْسِهِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي بِوَجْهٍ مَا وَمَتَى قَبَضَ الْمُشْتَرِي كَانَتْ يَدُهُ يَدَ نَفْسِهِ وَلَا تَكُونُ يَدَ الْبَائِعِ بِوَجْهٍ مَا بَلْ هِيَ يَدُ الْمُشْتَرِي فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ فَإِذَا كَانَ فِي جَعْلِهِ نَائِبًا عَنْهُمَا تَغْيِيرُ حُكْمِ الْبَيْعِ اُعْتُبِرَ نَائِبًا عَنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بَلْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَيْضًا وَالْمَالِيَّةُ فِيهِ هِيَ الْمَضْمُونَةُ، وَهِيَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَأَمْكَنَ أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مَقَامَهُمَا لِاخْتِلَافِ حَقِّهِمَا فِيهِ وَعَدَمِ تَغْيِيرِ مُوجِبِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَأْخُذُهُ أَحَدُهُمَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ يَدِ الْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ تَعَلَّقَ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ)؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَالِيَّةُ هِيَ الْمَضْمُونَةُ، وَلَوْ دَفَعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ إلَى أَحَدِهِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودَعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَإِذَا ضَمِنَ الْعَدْلُ قِيمَةَ الرَّهْنِ بِالتَّعَدِّي فِيهِ إمَّا بِإِتْلَافِهِ أَوْ بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِهِمَا وَأَتْلَفَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لَا يَقْدِرُ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَاجِبَةٌ فَلَوْ جَعَلَهَا رَهْنًا فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلَكِنْ يَأْخُذَانِهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَانِهَا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا يَرْفَعُ أَحَدُهُمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِذَا جُعِلَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا بِرَأْيِهِمَا أَوْ بِرَأْيِ الْقَاضِي عِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ]

ٍ} لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الرَّهْنِ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ حُكْمَهُ إذَا كَانَ فِي يَدِ الْعَدْلِ، وَهُوَ الَّذِي يَثِقُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَوْنِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَالنَّائِبُ يَقْفُو الْمَنُوبَ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَدْلِ إلَخْ) مَا أَحْسَنَ قَوْلَهُ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ لَا عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلِهَذَا لَوْ لَحِقَهُ ضَمَانٌ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ وَالرَّهْنُ لَا يَتِمُّ بِقَبْضِ الرَّاهِنِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَكَذَا بِقَبْضِ الْعَدْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَبْلُ يَرْجِعُ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَهْلِكُ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي: وَقَبْضُ الْعَدْلِ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ فِي حُكْمِ صِحَّتِهِ وَضَمَانِهِ بِالدَّيْنِ إذَا هَلَكَ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْعَدْلِ لَمْ يَبْطُلْ الدَّيْنُ وَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَقَدْ بَطَلَ الرَّهْنُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّهْنَ هَلْ يَنْعَقِدُ بِوَصْفِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِقَبْضِ الْعَدْلِ عِنْدَنَا يَنْعَقِدُ، وَعِنْدَهُ لَا يَنْعَقِدُ هُوَ يَقُولُ وُجُودُ الرَّهْنِ بِقَبْضِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يُوجَدْ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ نَائِبٌ عَنْ الرَّاهِنِ لَا عَنْ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأَتْلَفَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ) أَوْ أُتْلِفَ فِي يَدِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ يَصِيرُ قَاضِيًا) أَيْ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لِلتَّنَافِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا اهـ (قَوْلُهُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ) أَيْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْعَدْلِ بِالضَّمَانِ مِنْهُ ثُمَّ يَضَعُهُ عِنْدَهُ رَهْنًا اهـ

فَرْعٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَجُلَيْنِ وَالرَّهْنُ مِمَّا لَا يُقْسَمُ فَوَضَعَاهُ عِنْدَ أَحَدِهِمَا كَانَ جَائِزًا وَلَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِالْحِفْظِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ حِفْظَهُمَا لَا يَأْتِي فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا بِالتَّهَايُؤِ زَمَانًا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمَا اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى حِفْظِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَكَانَ الْحِفْظُ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا عَادَةً هَذَا وَقَدْ أَتَيَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْسَمُ فَاقْتَسَمَاهُ كَانَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الْحِفْظَ إلَيْهِمَا اقْتَضَى هَذَا انْقِسَامَ الْحِفْظِ عَلَيْهِمَا فَكَأَنَّهُ قَالَ احْفَظَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا طَائِفَةً مِنْ الْعَيْنِ فَإِنْ وَضَعَاهُ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>