الْحِفْظُ دُونَ التِّجَارَةِ، وَوَصِيُّ الْأَخِ أَوْ الْعَمِّ أَوْ الْأُمِّ فِي مَالٍ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لِلصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْأَبِ فِي الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَكَانَ لِلْمُوصِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ أَنْ يَبِيعَهُ لِلْحِفْظِ بِخِلَافِ مَالٍ آخَرَ لِلصَّغِيرِ غَيْرَ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي حَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ فَكَذَا الْوَصِيُّ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَلِلْأَبِ أَوْ الْجَدِّ التَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ فَكَذَا لِوَصِيِّهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَوَصِيُّ الْأَبِ أَحَقُّ بِمَالِ الطِّفْلِ مِنْ الْجَدِّ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَدُّ أَحَقُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ حَتَّى أَحْرَزَ مِيرَاثَهُ فَيَتَقَدَّمُ عَلَى وَصِيِّهِ، وَلَنَا أَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ تَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِيصَاءِ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ قَائِمَةً مَعْنًى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْأَبِ نَفْسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهُ الْوَصِيَّ مَعَ عِلْمِهِ بِوُجُودِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْظَرُ لِأَوْلَادِهِ مِنْ تَصَرُّفِ الْجَدِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ لَمْ يُوصِ الْأَبُ فَالْجَدُّ كَالْأَبِ) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَأَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى الْأَبُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ لِمَا بَيَّنَّا دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ.
[فَصْلٌ فِي شَّهَادَةِ الْوَصِيَّانِ]
(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (شَهِدَ الْوَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا لَغَتْ) أَيْ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا لِأَنْفُسِهِمَا بِإِثْبَاتِ الْمُعَيَّنِ لَهُمَا فَتُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ فَإِذَا رُدَّتْ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَهَادَتِهِمَا إقْرَارًا مِنْهُمَا بِوَصِيٍّ آخَرَ مَعَهُمَا لِلْمَيِّتِ، وَإِقْرَارُهُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ التَّصَرُّفِ بَعْدَ ذَلِكَ بِدُونِهِ فَصَارَ فِي حَقِّهِمَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْصِيَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَجَازَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ لِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِمَا بِدُونِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَيَضُمُّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا لِيُمْكِنَهُمْ التَّصَرُّفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ زَيْدٌ) أَيْ يَدَّعِي أَنَّهُ وَصِيٌّ مَعَهُمَا فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا ثَالِثًا عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا فَيَسْقُطُ بِشَهَادَتِهِمَا مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ عَنْهُ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ كَمَا إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يَنْصِبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً فَهَذَا أَوْلَى
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا الِابْنَانِ) أَيْ إذَا شَهِدَ الِابْنَانِ بِأَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُنْكِرُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ نَفْعًا إلَى أَنْفُسِهِمَا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا مُرِيبٍ أَيْ مُتَّهَمٍ، وَإِذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ لَهُ الْوِصَايَةَ يُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا عَلَى أَنَّهُ نُصِبَ وَصِيٌّ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ سَوَاءٌ ادَّعَى الرَّجُلُ الْوَكَالَةَ أَوْ لَمْ يَدَّعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ نَصْبَ الْوَكِيلِ عَنْ الْحَيِّ بِطَلَبِهِمَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ صَغِيرٍ بِمَالٍ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِأَنْفُسِهِمَا فِي ذَلِكَ الْمَالِ فَصَارَا مُتَّهَمَيْنِ أَوْ خَصْمَيْنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ لِكَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ لِوَارِثٍ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَيْضًا لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ بَيْعِ الْمَنْقُولِ لِأَنْفُسِهِمَا عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لِلْكَبِيرِ فِي غَيْرِ التَّرِكَةِ لِانْقِطَاعِ وِلَايَتِهِمَا عَنْهُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَيْسَرُ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّوَى وَالتَّلَفِ وَالْفَسَادِ وَقَالُوا لَوْ خِيفَ هَلَاكُ الْعَقَارِ أَوْ هَلَاكُ بِنَائِهِ يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَهُ أَيْضًا عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ.
لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ حِفْظًا وَلَا يَتَّجِرُ الْوَصِيُّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي مَالِهِ لِأَنَّ التِّجَارَةَ يُبْتَغَى بِهَا الرِّبْحُ دُونَ الْحِفْظِ فَلَا يَمْلِكُ اهـ وَفِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مَا يُخَالِفُهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَلَا يَتَّجِرُ فِي الْمَالِ أَيْ فِي مَالِ الصَّغِيرِ هَكَذَا فِي الْأَوْضَحِ اهـ وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا اتَّجَرَ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَارْتَهَنَ أَوْ رَهَنَ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ التِّجَارَةُ تَثْمِيرًا لِمَالِ الْيَتِيمِ.
فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ إيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ اهـ وَفِي الْكَافِي فِي بَابِ الرَّهْنِ مِثْلُهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي إذَا اتَّجَرَ الْوَصِيُّ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ فَبَاعَ مَتَاعَهُ فَأَخَذَ رَهْنًا أَوْ اشْتَرَى لِأَجْلِ الْيَتِيمِ فَرَهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ جَازَ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِأَجْلِ الْيَتِيمِ تَثْمِيرًا لِمَالِهِ وَالتِّجَارَةُ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِارْتِهَانِ وَالرَّهْنِ لِلِاسْتِيفَاءِ وَالْإِيفَاءِ اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مازه الْمَعْرُوفِ بِالْحُسَامِ الشَّهِيدِ مَا نَصُّهُ: وَبَيْعُ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ جَائِزٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْعَقَارَ وَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ التِّجَارَةَ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي، وَالْمُوصِي وَهُوَ الْأَبُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِفْظِ نَظَرًا لَهُ فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَالْإِجَارَةُ أَمَّا التِّجَارَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَبَيْعُ الْعَقَارِ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَلَوْ خِيفَ هَلَاكُ الْعَقَارِ أَوْ هَلَاكُ بِنَاءِ الْعَقَارِ هَلْ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَوْ قِيلَ يَمْلِكُ بَيْعَهُ لَا يَبْعُدُ.
لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْحِفْظِ اهـ وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ الْكَنْزِ مُحَشَّاةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ جَلَالِ الدِّينِ التُّبَّانِيِّ وَكَتَبَ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي مَالِهِ أَيْ فِي مَالِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَجَعَلَ رَابِطَةً تَحْتَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ فِي مَالِهِ رَاجِعَةً لِلْكَبِيرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي مَالٍ تَرَكَهُ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي مَالٍ تَرَكَهَا. اهـ.
(فَصْلٌ فِي الشَّهَادَةِ)
(قَوْلُهُ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ) إذْ حِفْظُ مَالِ الْيَتِيمِ إلَيْهِمَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ إذَا غَابَ وَيُتَوَهَّمُ