للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَابُ الْجَنَائِزِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ وُجِّهَ وَجْهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَعَلَامَاتُ احْتِضَارِهِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجُ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَتَتَدَلَّى جِلْدَتُهَا، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالُوا تُوُفِّيَ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَك، وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ الْفِطْرَةَ»، وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ؛ وَلِأَنَّهُ قَرُبَ مِنْ الْوَضْعِ فِي اللَّحْدِ فَيُوضَعُ كَمَا يُوضَعُ فِيهِ، وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ، وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا: لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَ ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَسْهَلُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ عَقِيبَ الْمَوْتِ، وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ.

وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلُقِّنَ الشَّهَادَةَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يَتَعَرَّضُ فِيهِ الشَّيْطَانُ لِإِفْسَادِ اعْتِقَادِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى مُذَكِّرٍ، وَمُنَبِّهٍ عَلَى التَّوْحِيدِ. وَكَيْفِيَّةُ التَّلْقِينِ أَنْ تُذْكَرَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَلْقِينِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقِيلَ يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا، وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ، وَقِيلَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَلَا يُنْهَى عَنْهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الْجَنَائِزِ]

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ يَجْنِزُ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا سَتَرَ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا كَانَ الْمَوْتُ آخِرَ الْعَوَارِضِ ذَكَرَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ آخِرًا لِلْمُنَاسَبَةِ. اهـ. أَوْ نَقُولُ الصَّلَاةُ صَلَاتَانِ مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَلَمَّا بَيَّنَ الصَّلَاةَ الْمُطْلَقَةَ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ نَقُولُ الْمَأْمُورُ بِهِ نَوْعَانِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهِ وَحَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا وَهُوَ قَضَاءُ حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ صَلَاةٍ هِيَ حَسَنٌ لِمَعْنًى فِي عَيْنِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صَلَاةٍ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا. اهـ. وَالْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بِالْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ حَتَّى قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: إنَّ مَنْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مَاتَ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِهَذِهِ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا صِفَةٌ وَسَبَبٌ وَشَرْطٌ وَرُكْنٌ وَسُنَنٌ وَآدَابٌ. أَمَّا صِفَتُهَا فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَبَبُهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهَا وَجَبَتْ قَضَاءً لِحَقِّهِ وَرُكْنُهَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا شَرْطُهَا فِيمَا هُوَ شَرْطُ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَتَزِيدُ هَذِهِ بِأُمُورٍ تُذْكَرُ هُنَا، وَسُنَّتُهَا كَوْنُهُ مُكَفَّنًا بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَوْ ثِيَابُهُ فِي الشَّهِيدِ وَكَوْنُ هَذَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَسَاهُلٌ وَآدَابُهَا كَغَيْرِهَا وَالْجِنَازَةُ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وُلِّيَ الْمُحْتَضَرُ الْقِبْلَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ وَتَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ إلَى الْقِبْلَةِ مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَكَرِهَهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُوَجَّهْ إلَى الْقِبْلَةِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ فَقَالَ أَلَسْت مُسْلِمًا وَلِلْجُمْهُورِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ وَشَيْخُهُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ إلَخْ. اهـ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَخَلْتَ عَلَى الْمَرِيضِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَك فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلْبُخَارِيِّ وَيُخْرَجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ» إلَخْ) «ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ، وَقَدْ فَعَلْتَ» قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي تَوْجِيهِ الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ. اهـ أَبُو الْبَقَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ إلَخْ) هُوَ مِثْلُ لَفْظِ الْقَتِيلِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ». اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ فِي حَالِ الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُلَقَّنُ لِظَاهِرِ مَا رَوَيْنَا إلَخْ) وَنُسِبَ إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَخِلَافُهُ إلَى الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ. كَمَالٌ قَالَ قَاضِي خَانْ: إنْ كَانَ التَّلْقِينُ لَا يَنْفَعُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا فَيَجُوزُ. اهـ. قَالَ فِي الْحَقَائِقِ قَالَ صَاحِبُ الْغِيَاثِ سَمِعْت أُسْتَاذِي قَاضِي خَانْ يَحْكِي عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ لَقَّنَ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ دَفْنِهِ، وَأَوْصَانِي بِتَلْقِينِهِ فَلَقَّنْتُهُ بَعْدَ مَا دُفِنَ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَقَائِقِ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ قَاضِي خَانْ.

وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَنْظُومَةِ فِي بَابِ الشَّافِعِيِّ وَيَحْسُنُ التَّلْقِينُ وَالتَّسْمِيعُ، قَالَ فِي الْحَقَائِقِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ الصَّفَّارُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ تَلْقِينَ الْمَيِّتِ مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ تُعَادُ إلَيْهِ رُوحُهُ، وَعَقْلُهُ وَيَفْهَمُ مَا يُلَقَّنُ قُلْت وَلَفْظُ التَّسْمِيعِ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا وَصُورَتُهُ أَنَّهُ يَقُولُ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ اُذْكُرْ دِينَكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ رَضِيتَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبِيًّا، وَعَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةُ لَا يُفِيدُ التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ عِنْدَهُمْ مُسْتَحِيلٌ. اهـ مَا قَالَهُ فِي الْحَقَائِقِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ إلَخْ) بِفَتْحِ اللَّامِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ، وَهُوَ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَمُدَّتْ أَطْرَافُهُ. اهـ. أَبُو الْبَقَاءِ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ أَوْ مُدْيَةٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحَدِيدِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ

<<  <  ج: ص:  >  >>