للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الْحَوَالَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ التَّحْوِيلُ وَالنَّقْلُ وَمِنْهُ حَوَالَةُ الْغِرَاسِ نَقْلُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ النَّقْلُ مُطْلَقًا عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ بِرِضَا الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ) وَهَذَا مِنْ شَرَائِطِهَا وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَلِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ بِالدُّيُونِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَهُوَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ وَهَذَا النَّقْلُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ النَّقْلُ الشَّرْعِيُّ فِي الثَّابِتِ شَرْعًا، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحِسِّيٌّ، فَلَا يَنْتَقِلُ بِالنَّقْلِ الْحُكْمِيِّ بَلْ النَّقْلِ الْحِسِّيِّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ رِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الذِّمَمُ، فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُمَاطِلُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَفِّي نَاقِصًا وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ، فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَنِّفُ فِيهِ وَيَسْتَعْجِلُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَاهِلُ وَيُمْهِلُ وَيُسَامِحُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْمُحِيلَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَوْ لِيَسْقُطَ دَيْنُهُ وَنَظِيرُهَا الْكَفَالَةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِدُونِ رِضَا الْمَكْفُولِ عَنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَرِئَ الْمُحِيلُ بِالْقَبُولِ مِنْ الدَّيْنِ) وَهَذَا حُكْمُهَا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّوَثُّقُ وَهُوَ بِازْدِيَادِ الْمُطَالَبَةِ كَالْكَفَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَبْرَأُ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالْحَوَالَةِ وَلَنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ فَمَعْنَى الْحَوَالَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفَرَاغِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَتَى انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّةٍ لَا يَبْقَى فِيهَا وَالْكَفَالَةُ مَعْنَاهَا الضَّمُّ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُوجَبُهَا ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ مَعَ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَالِاسْتِيثَاقُ فِيهَا بِالضَّمِّ وَفِي الْحَوَالَةِ بِاخْتِيَارِ مَنْ هُوَ الْأَمْلَأُ مِنْ الْمُحِيلِ وَأَحْسَنُ مِنْ الْمُحِيلِ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يُقَالُ لَوْ بَرِئَ لَمَا أُجْبِرَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْقَبُولِ إذَا قَضَاهُ الْمُحِيلُ الدَّيْنَ كَمَا لَوْ قَضَاهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَجْنَبِيُّ مُتَبَرِّعٌ وَالْمُحِيلُ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى فَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا إذْ قَصْدُهُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ كِتَابُ الْحَوَالَةِ] [مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

ِ} (قَوْلُهُ وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ) أَيْ قَبُولُ الْمُحْتَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَالَّةَ لِلْغَائِبِ فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ إذَا بَلَغَهُ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَحَالَ عَلَى غَائِبٍ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ صَحَّتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ») رَوَاهُ فِي الْهِدَايَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا اتَّبَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بِلَفْظِ أُحِيلَ مَعَ لَفْظِهِ يَتْبَعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَمِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَسَطِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ قِيلَ وَقَدْ يُرْوَى فَإِذَا أُحِيلَ بِالْفَاءِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاتِّبَاعِ لِلْمُلَاءَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمًا، فَإِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الظُّلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ، وَالْحَقُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ هُوَ دَلِيلُ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَمْلِيَاءِ عِنْدَهُ مِنْ اللَّدَدِ فِي الْخُصُومَةِ وَالتَّعْسِيرِ مَا تَكْثُرُ بِهِ الْخُصُومَةُ وَالْمَضَارَّةُ اهـ فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ هَذَا لَا يَطْلُبُ الشَّارِعُ اتِّبَاعَهُ بَلْ عَدَمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الْخُصُومَاتِ وَالظُّلْمِ، وَأَمَّا مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْقَضَاءِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ اتِّبَاعَهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمَدْيُونِ وَالتَّيْسِيرِ وَمِنْ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَمُبَاحٌ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ إضَافَةُ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ لِلَفْظِ الْأَمْرِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ فَإِنْ جُعِلَ لِلْأَقْرَبِ أُضْمِرَ مَعَهُ الْقَيْدُ وَإِلَّا فَهُوَ دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِهَا اهـ فَتْح.

(قَوْلُهُ وَهُوَ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ) أَيْ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، فَلَا يَتَأَتَّى نَقْلُهَا مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فَلَمْ تَصِحَّ الْحَوَالَةُ فِي الْعَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَحِسِّيٌّ إلَخْ) وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوْصَافَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ لِأَنَّا نَقُولُ أَحْكَامُ الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَاهِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا تَبْقَى بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ. اهـ. مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ بِدُونِ رِضَاهُ) ذَكَرَهُ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْ الْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ عَاجِلًا بِانْدِفَاعِ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَآجِلًا بَعْدَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِأَمْرِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَتْ الْحَوَالَةُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهِ بِالتَّوَى) أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى بِشَرْطِ السَّلَامَةِ، فَإِذَا تَوَى يَرْجِعُ فَلَمْ يَكُنْ الْمُحِيلُ مُتَبَرِّعًا فِي الْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>