(بَابُ الْعِدَّةِ).
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ تَرَبُّصٌ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) أَيْ الْعِدَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّرَبُّصِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ أَوْ شُبْهَتِهِ هَذَا فِي الشَّرِيعَةِ، وَفِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِحْصَاءِ يُقَالُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَحْصَيْته وَسَبَبُ وُجُوبِهَا عِنْدَنَا النِّكَاحُ الْمُتَأَكِّدُ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنْ الْخَلْوَةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَشَرْطُهَا الْفُرْقَةُ وَرُكْنُهَا حُرُمَاتٌ ثَابِتَةٌ بِهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْكَفُّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ أَيْ حِيَضٍ) أَيْ إذَا طَلُقَتْ الْحُرَّةُ أَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] وَالْمُرَادُ بِهِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِثْلُ خِيَارِ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ
وَالرِّدَّةُ، وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ، وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالْقُرْءُ الْحَيْضُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الطُّهْرُ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثُمَّ رَجَعَ لَهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِيَتْرُكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقَهَا إنْ شَاءَ ثُمَّ قَالَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ هِيَ الطُّهْرُ بَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا أَنْ نُطَلِّقَهَا لِعِدَّتِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي، وَالطَّلَاقُ يُوقَعُ فِي الطُّهْرِ فَكَانَ هُوَ الْعِدَّةُ دُونَ الْحَيْضِ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ بِمَعْنَى الْحَيْضِ يُجْمَعُ عَلَى أَقْرَاءٍ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَعِي الصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ أَقْرَائِك»، وَبِمَعْنَى الطُّهْرِ يُجْمَعُ عَلَى قُرُوءٍ قَالَ الْأَعْشَى
أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمٌ غَزْوَةً ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا
مُوَرِّثَةً مَالًا وَفِي الْحَيِّ رُقْعَةٌ ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
أَرَادَ بِهِ الطُّهْرَ لِأَنَّ الْحَيْضَ ضَائِعٌ دَائِمًا، وَلَا يَخْتَصُّ بِزَمَانِ الْغَيْبَةِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقُرْءَ فِي الْآيَةِ الطُّهْرُ، وَلِأَنَّ تَذْكِيرَ الثَّلَاثَةِ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ دَلِيلُ إرَادَةِ الطُّهْرِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَيْضَ لَقِيلَ ثَلَاثُ قُرُوءٍ بِلَا تَاءٍ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ، وَهُوَ الْحَيْضَةُ، وَلِأَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْجَمْعُ
وَمِنْهُ الْمَقْرَأَةُ لِلْحَوْضِ وَالْغَدِيرِ وَالْقَلْتِ يُقَالُ مَا قَرَأْت النَّاقَةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ بَابُ الْعِدَّةِ]
لَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ إثْرَ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ذَكَرَهَا بَعْدَ ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَفُرْقَةِ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَقْفُو الْمُؤَثِّرَ لَا مَحَالَةَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ الْكَمَالُ لَمَّا تَرَتَّبَتْ الْعِدَّةُ فِي الْوُجُودِ عَلَى فُرْقَةِ النِّكَاحِ شَرْعًا أَوْرَدَهَا عَقِيبَ وُجُودِ الْفُرْقَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْخَلْعِ وَاللِّعَانِ وَأَحْكَامِ الْعِنِّينِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْإِحْصَاءُ عَدَدْت الشَّيْءَ عِدَّةً أَحْصَيْته إحْصَاءً، وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى الْمَعْدُودِ. اهـ. وَالْعِدَّةُ مَصْدَرٌ مِنْ عَدَّ يَعُدُّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ هِيَ تَرَبُّصٌ) أَيْ انْتِظَارُ مُدَّةٍ اهـ ع (قَوْلُهُ عِنْدَ زَوَالِ النِّكَاحِ) أَيْ الْمُتَأَكِّدِ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِدَّةُ الْحُرَّةِ لِلطَّلَاقِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ) وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ أَنَّ الْأَوَّلَ لِتَعْرِيفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَالثَّانِي لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ، وَالثَّالِثَ لِفَضِيلَةِ الْحُرَّةِ. اهـ. مُسْتَصْفَى
(قَوْلُهُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ الْعِدَّةِ مَأْخُوذٌ فِيهِ تَأَكُّدُهُ بِالدُّخُولِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِشُهْرَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ قَالَ تَعَالَى {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُرْقَةُ إلَخْ) لَمَّا جُمِعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفُرْقَةِ بِلَا طَلَاقٍ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الطَّلَاقَ أَلْحَقَهُ بِالْجَامِعِ، وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَهَا فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَجَعَلَهُ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ حَيْثُ قَالَ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ يَعْنِي يَتَبَادَرُ لِكُلِّ مَنْ عَلِمَ بِوُجُوبِ تَرْكِهَا النِّكَاحَ إلَى أَنْ تَحِيضَ عِنْدَنَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لِذَلِكَ ثُمَّ كَوْنُهَا تَجِبُ لِلتَّعَرُّفِ لَا يَنْفِي أَنْ تَجِبَ لِغَيْرِهِ أَيْضًا، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي أَنَّهَا تَجِبُ أَيْضًا لِقَضَاءِ حَقِّ النِّكَاحِ بِإِظْهَارِ الْأَسَفِ عَلَيْهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ كَمَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِ الْأَقْرَاءِ، وَقَدْ يَنْفَرِدُ الثَّانِي كَمَا فِي صُورَةِ الْأَشْهُرِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَأَكِّدِ، وَهُوَ مَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يُؤْسَفُ عَلَيْهِ إذْ لَا أُلْفَ وَلَا مَوَدَّةَ فِيهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ فِي مَعْنَى) فِي مَعْنَى خَبَرٍ عَنْ قَوْلِهِ وَالْفُرْقَةُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ اهـ (قَوْلُهُ وَوُجُوبِ تَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَعِنْدَهُ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ كَمَا تَرَى قَطْرَةً مِنْ الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَعِنْدَنَا لَا تَنْقَضِي مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ مُؤَنَّثٌ)، وَهُوَ الْآنَ تَأْنِيثُ الْعَدَدِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْقَلْتُ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَلْتُ نَقْرَةٌ فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِعُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، وَالْجَمْعُ قِلَاتٌ مِثْلُ سَهْمٍ وَسِهَامٍ اهـ.
(فَرْعٌ) تَنْقَضِي عِدَّةُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ بِالْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ بِأَنْ وَطِئَهَا، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَالِمًا بِحُرْمَتِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الشُّبْهَةَ أَوْ كَانَ مُنْكِرًا طَلَاقَهَا فَإِنَّهَا تَسْتَقْبِلُ الْعِدَّةَ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا حَتَّى لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِنَفَقَةِ هَذِهِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَا يَقَعُ، وَيَحِلُّ نِكَاحُ أُخْتِهَا كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ، وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَبِوَطْئِهَا لَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ قَوْلُهُ بِالْوَطْءِ أَيْ مَعَ الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ يَعْنِي أَنَّ الْوَطْءَ الْمُحَرَّمَ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ تَقَضِّيهَا فَيُعْتَدُّ بِهَا مَعَهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ، وَلَا يُعْمَلَ بِظَاهِرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَوْلُهُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَيْ بِتَمَامِ الْأُولَى بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute