رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَلَا يَتَنَحْنَحَ وَلَا يَبْزُقَ وَلَا يَمْتَخِطَ وَيَسْكُتَ إذَا عَطَسَ وَيَقُولَ إذَا خَرَجَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَبْقَى مَا يَنْفَعُنِي، وَيُكْرَهُ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِلَى الْمُصْحَفِ وَإِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَغَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: ١١٤] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِالْغَلْقِ فِي زَمَانِنَا فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ صِيَانَةً لِمَتَاعِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ كَمَا قُلْنَا فِي مَنْعِ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقِيلَ إذَا تَقَارَبَ الْوَقْتَانِ لَا يُغْلَقُ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُغْلَقُ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَمِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الظُّهْرِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْوَطْءُ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مَسْجِدٌ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ بِمِنْ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِالصُّعُودِ إلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ عَلَى سَطْحِهَا يَحْنَثُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَسْجِدِ يَحْرُمُ مُبَاشَرَةُ النِّسَاءِ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] وَلِأَنَّ تَطْهِيرَهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ» الْحَدِيثَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ مِنْ النَّارِ» فَإِذَا كُرِهَ التَّنَخُّمُ فِيهِ مَعَ طَهَارَتِهِ فَالْبَوْلُ أَحْرَى. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ إلَّا لِلنِّسَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ كَالْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ مَكَانًا وَاحِدًا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الِاقْتِدَاءِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا نَقْشُهُ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ بِهِمَا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَزْيِينُ الْمَسَاجِدِ» الْحَدِيثُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ حِين مَرَّ بِهِ رَسُولُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ لِتَزْيِينِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسَاكِينُ أَحْوَجُ مِنْ الْأَسَاطِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ قُرْبَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ وَقَدْ زُخْرِفَتْ الْكَعْبَةُ بِمَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسُتِرَتْ بِأَلْوَانِ الدِّيبَاجِ تَعْظِيمًا لَهَا وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي الْمِحْرَابِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ التَّزْيِينِ أَوْ عَلَى التَّزْيِينِ مَعَ تَرْكِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ عَنْ الْإِيمَانِ» هَذَا إذَا فَعَلَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضِيعَ مَالَ الْوَقْفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَرْجِعُ إلَى إحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ جَعَلَ الْبَيَاضَ فَوْقَ السَّوَادِ لِلْبَقَاءِ ضَمِنَ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَلَى هَذَا تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ الْمَصَاحِفِ وَاِتِّخَاذَ الشَّدِّ لَهَا كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ فَأَشْبَهَ غَلْقَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْوِتْرُ وَاجِبٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَاهُ عَنْهُ يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ وَهُوَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَصَلَّى فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءَ إلَى آخِرِهِ) هِيَ بِالْوَاوِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشُّرَّاحِ بِأَوْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ اهـ بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ اهـ ع (قَوْلُهُ وَإِنْ نَدَبْنَا إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ مَنْدُوبٌ لَأَنْ يَتَّخِذَ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ السُّنَنَ وَالنَّوَافِلَ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ) أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتْوَاهُ فِي بَابِ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دَارِهِ مَسْجِدًا مَا نَصُّهُ: مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ مَسْجِدًا حَتَّى لَوْ مَاتَ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ لَا يُورَثُ عَنْهُ وَمَا اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ الصُّفُوفِ أَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَالَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَا غَيْرُ وَهُوَ وَالْجَبَّانَةُ سَوَاءٌ وَيُجَنَّبُ هَذَا الْمَكَانُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمُجَسَّدُ احْتِيَاطًا. اهـ. وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَقْفِ مَسْجِدٌ اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ يُجَنَّبُ كَمَا يُجَنَّبُ الْمَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُ مَسْجِدٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ الْجَوَابُ فِيهِ يَجْرِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي اُتُّخِذَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَا رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَهُ ضَمِنَ إلَى آخِرِهِ) إلَّا إذَا خَافَ طَمَعَ الظَّلَمَةِ فِيمَا اجْتَمَعَ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ. اهـ. كُنُوزٌ.
[بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ]
(قَوْلُهُ بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute