للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا) أَيْ التَّوَى يَكُونُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَجْحَدَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ وَيَحْلِفَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُحِيلِ وَلَا لِلْمُحْتَالِ أَوْ يَمُوتَ مُفْلِسًا بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عَيْنًا، وَلَا دَيْنًا، وَلَا كَفِيلًا؛ لِأَنَّ التَّوَى هُوَ الْعَجْزُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِهِمَا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ مُفْلِسًا بِتَصَادُقِهِمَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مَاتَ مُفْلِسًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْعُسْرَةُ كَمَا إذَا كَانَ هُوَ حَيًّا وَأَنْكَرَ الْيُسْرَ.

وَلَوْ فَلَّسَهُ الْحَاكِمُ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ لَا يَكُونُ تَوًى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا هُوَ تَوًى؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَخْذِ مِنْهُ بِتَفْلِيسِ الْحَاكِمِ وَقَطْعِهِ عَنْ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَهُمَا، فَصَارَ كَعَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ بِالْجُحُودِ أَوْ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ وَتَعَذُّرُ الِاسْتِيفَاءِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ بِغَيْبَةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُحِيلِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّوَى فِي الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ حُكْمًا بِخُرُوجِ مَحَلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا صَالِحًا لِلْوُجُوبِ بِمَوْتِهِ مُعْدَمًا أَوْ بِالْجُحُودِ وَلِأَنَّ الْإِفْلَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ يُمْسِي الْإِنْسَانُ فَقِيرًا وَيُصْبِحُ غَنِيًّا وَبِالْعَكْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتَغْنَى فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِأَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ يَرِثُهُ وَهَذَا نَظِيرُ مَا لَوْ جَرَحَ الْخَصْمُ الشُّهُودَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ لِاحْتِمَالِ تَوْبَتِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْإِفْلَاسِ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ رَهْنًا رَهَنَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ لَمْ يُسَلِّطْهُ يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا إذْ لَمْ يَبْقَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَالرَّهْنُ بِدَيْنٍ، وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ كَفِيلًا بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ خَلَفٌ عَنْهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك ضَمِنَ الْمُحِيلُ مِثْلَ الدَّيْنِ) أَيْ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّجُوعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِإِقْرَارِ الْمُحِيلِ وَهُوَ قَضَاءُ دَيْنِهِ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ إقْرَارًا مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ، وَلَا قَبُولُهُ الْحَوَالَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ قَدْ تَكُونُ مُطْلَقَةً وَقَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِمَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بَلْ حَقِيقَةُ الْحَوَالَةِ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً إذْ الْمُقَيَّدَةُ تَوْكِيلٌ بِالْأَدَاءِ وَالْقَبْضِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ لَهُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي فَقَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتَنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ، وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لِلْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دُيُونًا وَامْتَنَعَ الْمُضَارِبُ عَنْ التَّقَاضِي وَلَيْسَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَا يُجْبَرُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ أَحِلْ رَبَّ الْمَالِ أَيْ وَكِّلْهُ فَإِذَا احْتَمَلَ التَّوْكِيلَ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُحِيلِ بِدَعْوَاهُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ إذْ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ فَرَاغَ الذِّمَمِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الدَّيْنَ عَلَى الْمُحِيلِ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَالٍ لَهُ بَاعَهُ الْمُحِيلُ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ مِنْهُ وَادَّعَى أَنَّ الدَّيْنَ لَهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ الْمُحِيلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَالْإِنْسَانُ يَتَصَرَّفُ ظَاهِرًا لِنَفْسِهِ لَا يُسْمَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ لَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَحَالَ بِمَالِهِ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً صَحَّتْ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ دَرَاهِمُ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَحَالَ بِهَا غَرِيمَهُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، فَإِنْ هَلَكَتْ بَرِئَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُقَيَّدَةٌ بِهَا إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ التَّسْلِيمَ إلَّا مِنْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْمَغْصُوبِ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَخْلُفُ الْقِيمَةَ وَالْفَوَاتَ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ الْمَغْصُوبُ لَا إلَى خَلَفٍ بِأَنْ اسْتَحَقَّ بِالْبَيِّنَةِ صَارَ مِثْلَ الْوَدِيعَةِ وَقَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِالدَّيْنِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ: مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ فَالْمُقَيَّدَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْمُطْلَقَةُ أَنْ يُرْسِلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الِاسْتِيفَاءُ وَجَبَ الرُّجُوعُ، وَأَمَّا تَفْلِيسُ الْقَاضِي بِالشُّهُودِ حَالَ حَيَاةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَذَاكَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَهُمَا يَرَيَانِهِ؛ لِأَنَّهُ عَجْزٌ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَصَارَ كَمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَجْزٌ يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ بِحُدُوثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ غَادٍ وَرَائِحُ، فَلَا يَعُودُ إلَى الْمُحِيلِ كَمَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ بِخِلَافِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ عَجْزٌ لَا يُتَوَهَّمُ ارْتِفَاعُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ إلَخْ) كَذَا فِي الشَّافِي وَالْمَبْسُوطِ وَفِي شَرْحِ النَّاصِحِيِّ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لِإِنْكَارِهِ عَوْدَ الدَّيْنِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَاتَ وَتَرَكَ رَهْنًا رَهَنَهُ غَيْرُهُ) أَيْ رَهَنَهُ غَيْرُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُحْتَالِ ثُمَّ مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَبْطُلُ حُكْمُ الدَّيْنِ فِي الدُّنْيَا فَيَبْطُلُ الرَّهْنُ بِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ وَلَا دَيْنَ مُحَالٌ أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ مِلْكَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَا يَأْتِي مَا قَالَهُ مِنْ مَوْتِهِ مُفْلِسًا. اهـ. .

[طَلَب الْمُحْتَال عَلَيْهِ الْمُحِيل بِمَا أَحَال]

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ) أَيْ إذَا أَرَادَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَى الْمُحْتَالِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى إلَى الْمُحِيلِ فَقَالَ الْمُحِيلُ لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ لِأَنِّي كُنْت أَحَلْت عَلَيْك بِدَيْنِي فَقَالَ الْمُحْتَال عَلَيْهِ بَلْ لِي أَنْ أَرْجِعَ عَلَيْك لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الدَّيْنُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ) أَيْ الْمُحْتَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ) أَيْ لِتَيَسُّرِ مَا يَقْضِي بِهِ وَحُضُورِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>