للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ الْحَرَجُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ عَلَوِيًّا أَوْ تُرْكِيًّا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ، وَقَوْلُهُ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا يَنْفِي وُجُوبَ بَلِّ ذَوَائِبِهَا وَأَثْنَاءِ شَعْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَبِلُّوا الشَّعْرَ» وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ قُلْنَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَلَيْسَ الشَّعْرُ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ نَظَرًا إلَى أُصُولِهِ وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ نَظَرًا إلَى أَطْرَافِهِ فَعَمِلْنَا بِأَصْلِهِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ وَبِطَرَفِهِ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفُرِضَ) أَيْ الْغُسْلُ (عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ وَشَهْوَةٍ عِنْدَ انْفِصَالِهِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَرْضِ الْغُسْلِ وَسُنَّتِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُوجِبُهُ قَوْلُهُ عِنْدَ مَنِيٍّ أَيْ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهِ أَمَّا الرَّجُلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْمَرْأَةُ فِي رِوَايَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالشَّهْوَةُ شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» أَيْ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِ خُرُوجِ الْمَاءِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وَهُوَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَنْ قَضَى شَهْوَتَهُ يُقَالُ أَجْنَبَ فُلَانٌ إذَا قَضَى شَهْوَتَهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ» فَاعْتُبِرَ الْحَذْفُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشَّهْوَةِ، وَفِي الْغَايَةِ ذَكَرَ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُقَيَّدٌ وَحَدِيثَ «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ وَإِنْ كَانَا فِي حَادِثَتَيْنِ فَقَدْ تَرَكَ أَصْلَهُ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَوْ وَرَدَا فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ الْمَحَلُّ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا حَمَلْنَا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قِرَاءَةَ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ وَلِاتِّحَادِ الْحُكْمِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّوْمُ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ حَتَّى لَا تُحْمَلَ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُؤْمِنَةِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَكَذَا التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لَا يُحْمَلُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إطْعَامٌ وَالْآخَرَ صَوْمٌ أَوْ عِتْقٌ وَإِنْ اتَّحَدَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ، وَهُنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا حَذَفْت الْمَاءَ» وَرَدَا فِي السَّبَبِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا إذْ لَا تَزَاحُمَ فِي الْأَسْبَابِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الشَّهْوَةُ عَمَلًا بِالْمُطْلَقِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ قُلْنَا إنَّمَا شَرَطْنَاهَا بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاذِفًا فَلَا تَغْتَسِلْ» كَمَا نَفَيْنَا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ بِالنَّصِّ مَعَ النَّصِّ الْمُقَيَّدِ بِالسَّوْمِ وَالْمُطْلَقُ عَنْهُ قَوْلُهُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ أَيْ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَحَلِّهِ يَعْنِي أَنَّ الشَّهْوَةَ تُشْتَرَطُ عِنْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ الظَّهْرِ لَا عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُشْتَرَطُ الشَّهْوَةُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالِانْفِصَالِ وَالْخُرُوجِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ وَلَمْ يَخْرُجْ فَإِذَا شُرِطَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَجَبَ أَنْ تُشْتَرَطَ فِي الْآخَرِ وَهُمَا يَقُولَانِ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ فَإِذَا وَجَبَ مِنْ وَجْهٍ وَجَبَ احْتِيَاطًا، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَرَبَطَ ذَكَرَهُ بِخَيْطٍ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ، وَالثَّانِي إذَا أَمْنَى وَاغْتَسَلَ مِنْ سَاعَتِهِ وَصَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثَانِيًا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْهُ) أَيْ فِي إيصَالِ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ شَعْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضَفَّرٍ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُضَفَّرٌ فَيَلْحَقُهُ الْحَرَجُ (قَوْلُهُ يَنْفِي وُجُوبَ بَلِّ ذَوَائِبِهَا) هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ، وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَلَا بَلُّهَا إذَا ابْتَلَّ أَصْلُهَا. قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ وَلَا بَلُّهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَبُلُّ ذَوَائِبَهَا وَتَعْصِرُهَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ وُجُوبِهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مَفْتُولَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ الشَّعْرِ كَمَا فِي اللِّحْيَةِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ فِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ فِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ انْتَهَى، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ) وَهُوَ الرَّجُلُ انْتَهَى (قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَلْحَقُهُ) أَيْ وَهُوَ الْمَرْأَةُ فَلَا يُخَالِفُ الْخَبَرُ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَ مَا هُوَ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. كَافِي

[مُوجِبَات الْغُسْل]

. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عِنْدَ مَنِيٍّ ذِي دَفْقٍ) قَالَ الْإِمَامُ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَاءٌ دَافِقٌ يَعْنِي ذَا دَفْقٍ وَهُوَ صَبٌّ فِيهِ دَفْعٌ وَعَلَى هَذَا فَكُلٌّ مِنْ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَكَانَ الْمَحَلُّ) أَيْ وَالسَّبَبُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالِانْفِصَالِ) أَيْ مِنْ الظَّهْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ) أَيْ مِنْ الذَّكَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ الِانْفِصَالُ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ) إمَّا بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِنَظَرٍ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ بِاسْتِمْنَائِهِ بِالْكَفِّ أَوْ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدُهُمَا إذَا انْفَصَلَ الْمَنِيُّ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ.

(قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ) قَالَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَصْفَى وَيَعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ وَيَسْتَحْيِي مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِمْ رِيبَةٌ بِأَنْ طَافَ حَوْلَ أَهْلِ بَيْتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ قَبْلَ الْبَوْلِ أَوْ النَّوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>